بقلم: أ. د. محمد طاقة
تتضح الصورة لأي متتبع حيادي للاحداث الجارية في المنطقة ، حيث أن الامة العربية هي المستهدف الاول في الصراع القائم بين المشاريع الكبرى للسيطرة على المنطقة ، المنطقة العربية بما تمتلكه من إمكانيات مادية وبشرية هائلة، وخاصة مصادر الطاقة
تمثل النقطة المركزية لهذا الصراع .
هنالك ثلاثة مشاريع أساسية تعمل من اجل السيطرة على المنطقة برمتها ، المشروع الفارسي المغطى بغطاء الدين ، يعتمد على الأيديولوجيا الدينية لتبرير تمدده الإقليمي ، ويتعاون مع قوى خارجية لتحقيق مصالحه في المنطقة .
والمشروع الصهيوني المدعوم امريكياً وأوربياً يسعى إلى الهيمنة على المنطقة مع الولايات المتحدة الامريكية ، والدولة العميقة التي تدير النظام العالمي .
والمشروع القومي العربي ، الذي كان العراق يحمل رايته ، يهدف إلى توحيد الامة العربية واستقلالها ، ولكن تلاقت مصالح المشروعين الفارسي والصهيوني ضد هذا المشروع ونجحوا في ضربه من خلال غزو العراق واحتلاله بقيادة أمريكا وبريطانيا .
العراق كان الهدف الرئيسي لانه يمتلك كل المقومات لمواجهة المشاريع الصهيونية والفارسية ، فالعراق يتقاطع ايديولوجياً مع المشروعين ، وبنفس الوقت يمتلك احتياطي نفطي ضخم ، كان نفطه مؤمم ، مما جعله هدفاً اساسياً للتدمير .
كان غزو العراق خطوة حاسمة لأخراجه من ساحة الصراع ومنع صموده في وجه الهيمنة الغربية والصهيونية .
بعد اسقاط المشروع القومي العربي في العراق ، تحول الصراع إلى تنافس بين المشروعين الفارسي والصهيوني للهيمنة على المنطقة ، رغم التعاون بينهما ضد العراق ومشروعه ، إلا أن الهدف المشترك كان دائما تمزيق البلدان العربية وإضعافها .
ولاجل تقريب الصورة وتوضيحها نورد الأمثلة الاتية ، الحرب (العراقية – الإيرانية ) المخطط لها مسبقاً ، حيث تم جلب الخميني بطائرة فرنسية وبحماية المخابرات الأمريكية لشن حرب على العراق ، طالت الحرب لثمانية سنوات استنزفت العراق بشرياً واقتصادياً .
خلال هذه الفترة ، كانت إسرائيل تمد ايران بالسلاح كما ظهر في فضيحة ( ايران غيت ) بعد انتهاء الحرب جاء الدور الأمريكي والبريطاني لاحتلال العراق عام (٢٠٠٣) ، مما أدى إلى تدمير كامل لهذا البلد وانتهكت حقوق الشعب العراقي انتهاكاً خطيرا وانتشر الفساد المالي والإداري والاخلاقي في هذا البلد العريق .
وبعد الغزو تم تسليم العراق لايران لتكمل عملية تدميره ، خاصة في المناطق التي عرفت بمقاومتها للاحتلال ، كما ادخلت داعش إلى العراق عبر سوريا بدعم إيراني أمريكي سوري وبحجة تحرير المدن من داعش قامت القوات الأمريكية والمليشيات العراقية التابعة لايران بتدمير هذه المدن وقتل اهلها ، مثلما حدث في الموصل وتكريت وبقية المدن العراقية التي قاومت الاحتلال .
وبتنسيق غير معلن أوعزت ايران لحركة حماس بالهجوم على إسرائيل في السابع من اكتوبر ، لكنّ النتائج كانت كارثية ، حيث تم تدمير غزة بالكامل وقتل اهلها تماماً كما حدث في مدينة الموصل .
اما بالنسبة للتصعيد الأخير في لبنان ، قام حزب الله بتوجيه من ايران ، إطلاق صواريخه على إسرائيل، مما حدى باسرائيل ان ترد بقوة غير مسبوقة من اجل تدمير جنوب لبنان بل كل لبنان ، مما أدى وسيؤدي إلى المزيد من الدمار لهذا البلد العربي المهم .
أما الصراعات في كل من اليمن وليبيا والسودان كلها تهدف إلى إنهاك هذه الدول العربية واضعافها، واليوم الأردن مهدد من المليشيات الإيرانية ودول الخليج ايضاً مهددة من قبل ايران . مما تقدم نرى بوضوح ان المستهدف الأساسي من كل هذا هو الامة العربية ، الشعب العربي يدفع الثمن ، كما دفع الشعب السوري البطل اعلى الأثمان بتدمير بلده وقتل ابنائه وتهجير الأكثرية من شعبه . يتضح لنا ايضاً أن مشروع برنارد لويس لتقسيم الوطن العربي يطبق وينفذ بحذافيره ، وتشارك في تنفيذه كل منّ اسرائيل وايران ،وعلى هذا الاساس سوف لن تضرب ايران لانها تنفذ الأجندة الصهيونية في تدمير الامة العربية ، في النهاية وعندما تشعر ايران ان نظامها مهدد واوشك على نهايته ستساوم امريكا وتتخلى عن اذرعها في المنطقة ( حماس ، وحزب الله ، والحوثيين ، والمليشيات العراقية ) بعد ان تتم مهامها في تدمير المجتمعات العربية .
الامة العربية اليوم في حالة ضعف وإنهاك غير مسبوق وحكامها يتحملون مسؤولية هذا الوضع بسبب تخليهم عن العراق وقيادته الشجاعة ، بل تعاون البعض منهم مع امريكا لتسهيل غزو العراق .
من الواضح أن كل ما حدث ويحدث يجري بعلم امريكا وموافقتها ، ان التصريحات المتناقضة من قبل أمريكا وإيران وإسرائيل حول ( لا نريد حرب شاملة ) أو ( لا نرغب بتوسيع الحرب ) او ( هنالك امل لحل التوتر بالطرق الدبلوماسية ) وغيرها من التصريحات والاجتماعات التفاوضية حول وقف إطلاق النار في غزة التي لا نهاية لها ، ليست سوى وسيلة لامتصاص الغضب العربي والعالمي وادارة الصراع دون اثارة الضجيج ، الهدف الأساسي من هذه التصريحات والمفاوضات هو استغلال الوقت من اجل قضم الأراضي وتدمير الشعب العربي والقضاء على المقاومة بكل هدوء ودون ضجيج دولي كبير .
هذا الأسلوب تم استخدامه مع كل الأزمات في الدول العربية بينما لم تتضرر إسرائيل وايران .
العواقب الوخيمة دائما ما تقع على الشعب العربي الذي يقتل ويهجر ويستشهد .
إن ما يجري في العالم العربي من تدمير وقتل النساء والأطفال وتدمير البنى التحتية الاجتماعية والتقنية ، كما حدث في غزة والضفة الغربية والموصل وحلب ، وفي جميع المدن العربية ، وما يحدث اليوم في لبنان وبالأخص جنوبه وفي اليمن والسودان وليبيا ، يعد انتهاكا صارخاً لحقوق الإنسان وحقوق شعوب المنطقة بأسرها .
اين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ؟
اين منظمات حقوق الانسان الدولية ؟
يبدو ان ( لا حياة لمن تنادي ) ، هذه الجرائم ترتكب على مرأى ومسمع من العالم ، لكن الشعب العربي وحده هو الذي يدفع الثمن الباهظ، من قتل وتهجير واستشهاد ، بينما لا تتضرر إسرائيل وايران ويظل العرب الضحايا المستهدفين ..