الله يخرج من البحر
هادي جلو مرعي
للناس عقائد وطرق عبادة وحياة، فمنهم من يجنح الى التطرف، ومنهم من يؤمن بعقيدة يراها صالحة له ويرفض الإيمان بسواها، ويدافع عنها، ولكنه في النهاية يجب أن يسلم بحقيقة أن الحياة تشاركية، وتتحمل التعاون والتواصل والتسامح، ولاتتحمل إستمرار العداوة، وتحويل الناس الى قطيع يمكن أن يتم إستخدامهم لتحقيق منافع خاصة ببعض الكلام المعسول، والتعاليم المبتكرة والمزيفة في الواقع، وهم مستجيبون لجهلهم، وقلة المعرفة لديهم.
يروي الشيخ رضوان الكناني وهو صديق أحبه، ويدرس العلوم الدينية، وله وجاهة، ولديه فصاحة حكاية ظريفة ولطيفة عن شخص عربي، وتروى للعبرة والمعرفة ، أن هذا كان يجول بلدان العالم، وزار الهند، وكان يتنقل بين مدنها، ويتعرف الى ناسها وعقائدها، وكان يتعجب لكثرة الديانات، ومايؤمن به الناس، ووصل الى مدينة مطلة على البحر فوجد قوما يجلسون، أو يقفون على الشاطيء لساعات، ومنهم من يذهب، ومنهم من يجيء، ومنهم من يتأخر في المكان، وهم ينظرون قبالة البحر فسألهم؟ فقالوا: إنهم يتعبدون البحر، وإن إلههم سيخرج منه ليلبي لهم دعواتهم، فتحيّن الفرصة وتخفى ونزع عنه ثيابه، ثم دخل البحر وخرج إليهم مبللا فظنوه هو الله، وصاروا يبجلونه ويتعبدونه، ويقدمون له الطعام والقرابين وإستغنى بهم، وعملوا له مكانا يجلس فيه، ويستقبل أصحاب الحاجات.
وعندما شاع خبر الإله الجديد الذي خرج من البحر، جاء رجل مخابرات هندي إليه، وطلب منه الكف عن اللعبة المبتذلة، وقال : إننا شعب متعدد العقائد، ولاداع لصناعة عقيدة جديدة، وعليك مغادرة الهند، والتخلي عن الفكرة البغيضة. لكن صاحبنا رفض، وبعد إلحاح إشترط بناء مكان من الزجاج الشفاف، وعليه سقف كبير ليظل المتعبدين من الشمس والأنواء وهم يطلون على البحر، وإن يكون البناء بإشرافه هو، وليس غيره، وأن يبنى له مكان من الزجاج يراه المتعبدون منه، وقد حصل له ماأراد بالفعل، وبعد ستة أشهر جاءه الرجل، وقال له: قد أنجزنا ما وعدناك، وعليك أن تنجزماوعدتنا، لكنه رفض أيضا وقال: إن هولاء يعبدونه ومتمسكون به، ولايتخلون عنه ومن الصعب تركهم بعد كل هذا العناء، وهذا الوقت، فأضطر الرجل الى أن يتحرك على السلطات التي إستقدمت مسؤولا عربيا رفيعا جلس ومساعديه الى الإله في صومعته الزجاجية، وأقنعه بالتخلي عن الفكرة والعودة الى الوطن، ولكن الإله قال لهم، إن هولاء الآلاف قطيع يتوجهون الى الوجهة التي سيقررها الجالسون في الصومعة، وقد تخلوا عن عقولهم، وعن تفكيرهم لحساب فكرة غامضة تكشف إن الملايين من البشر قد يستخدمون بطرق سيئة عندما يتولى أمرهم رجال سياسة قذرون، ورجال دين إنتهازيون، وعندها تعيش الأمم في الجهل، ودوامة التخلف.