يتابع المحللون الإسرائيليون تطورات الأوضاع في سوريا وتداعياتها على الدولة العبرية, لمعرفة الخيارات المتاحة أمام “تل أبيب” لتحقيق أفضل استفادة من ذلك. وفي هذا الإطار نشرت صحيفة (إسرائيل اليوم) العبرية؛ مقالاً تحليلياً للسياسي الإسرائيلي المخضرم، “يوسي بيلين”، يقرأ فيه المشهد السوري بطريقة غير مألوفة، ويتوصل إلى نتيجة مفادها أن الفرصة أصبحت متاحة الآن تحديداً للتوصل إلى سلام مع “بشار الأسد” حتى لو كان ذلك سيُغضب دول الخليج.
الدول العربية لا يمكن أن تكون حليفة لإسرائيل..
في البداية يعبر “بيلين” عن سعادته الغامرة بعدما شاهد نتائج اسطلاعات الرأي العام في بعض الدول العربية، والتي أظهرت أن المواطنين العرب يعتبرون إسرائيل دولة حليفة لهم في مواجهة إيران. لكنه أضاف بالقول: “إن الدول العربية التي تود محاربة إيران حتى آخر قطرة دم لجنود إسرائيل لا يمكن أن تكون حليفة للدولة العبرية حتى لو صفقوا لها. وحين تصفق الدول العربية للإسرائيليين فيجب عليهم إذاً أن يراجعوا أنفسهم”.
اعتراض الطائرة الإيرانية كان كافياً..
يضيف “بيلين” بأن حالة الإجماع الإسرائيلية جعلته يشعر بعدم الإرتياح, لأنه حينما يحل التوافق التام بين الجميع فهذا يعني أن هناك خطأ ما. أما الصوت النشاذ الذي صدر عن القائد السابق للمنطقة الشمالية اللواء، (إحتياط)، “عميرام لفين”، عندما قال إنه كان من الأفضل الإكتفاء باعتراض الطائرة الإيرانية بدون طيار، فقد ضاع في خضم الإجماع العام وربما كان هو تحديداً الرأي الصائب، رغم الأهمية البالغة لضرب الأهداف التي تم قصفها في منطقة دمشق. وعموماً، فهناك طائرات بدون طيار تُحلق فوق منطقتنا من إتجاهات عدة, وبشكل عام يتم الإكتفاء باعتراضها. وكانت الفرصة مهمة لاستغلال الطائرة الإيرانية بدون طيار في التعرف علي قدراتها وتصميمها، وكان مجرد اعتراض الطائرة كفيلاً بإنهاء القضية.
إسرائيل لم تفقد قوة الردع..
لكن ما سيعلُق بالذاكرة منذ ذلك اليوم، الذي شهد المواجهة في الجبهة الشمالية، هو سقوط الطائرة الإسرائيلية من طراز (F-16). وكلما دار الحديث عن تفرد تلك الحادثة وعن عدم إسقاط أي طائرة في أراضينا منذ ربع قرن، كلما تركز الحديث أكثر على حادثة الإسقاط، وسيكون من يدفعوننا للحرب هم أول من يوزعون الحلوى من فرط شماتتهم. ليس لأننا فقدنا قوة الردع, فجيراننا يعرفون حجم قوتنا ويدركون جيداً أن مثل هذه الحادثة النادرة لا تعني سوى أننا أقوياء. وما من شك أيضاً في أن بطاريات الصواريخ المنتشرة في سوريا تحد من حرية حركتنا، وتدميرها سيسهل المهمة أمام سلاحنا الجوي, ولكن من المشكوك فيه إن كان حادث اعتراض الطائرة الإيرانية بدون طيار يُعد مبرراً لمثل ذلك الهجوم بالقرب من العاصمة السورية.
إسرائيل تواجه وضعاً معقداً..
إن موقف إسرائيل تجاه الحرب بين تنظيم “داعش” والأطراف الأخرى في سوريا معقدة للغاية، ليس فقط بسبب تواجد إيران و”حزب الله” على أراضيها، ولكن بالأخص بسبب التواجد الروسي وغياب الدور الأميركي. وهنا تجد إسرائيل نفسها في مواجهة تحالف غير مريح؛ لأن مجال تحركها العسكري محدود من الناحية الإستراتيجية، رغم أنها نجحت تكتيكياً في التخفيف عن نفسها من خلال إصابة بطاريات الصواريخ.
الإتجاه المعاكس..
يرى “بيلين” أن إسرائيل تناور، خلال الأشهر الأخيرة، بين مصالحها المختلفة في سوريا، فهي تحظى بالدعم الشفهي من جانب واشنطن وبالباب المفتوح من جانب موسكو، ولقد نجحت في التوصل إلى تفاهمات عسكرية مُحددة، لكنها مُضطرة لأن تبقى في حالة تأهب مستمر بجوار سوريا التي تشبه برميل متفجرات ولا خيار أمامها في ذلك. كما أن لديها الخبرة الكافية في هذا الشأن، وسيمكنها استثمار خبرتها أيضاً في السنوات المقبلة، ولكن ليس واضحاً على الإطلاق إن كان هذا هو الخيار الوحيد. فربما هذا الوضع المعقد تحديداً هو الذي سيؤدي لإتجاه معاكس نحو إحراز تسوية سياسية مع نظام “بشار الأسد”، برعاية روسية وربما أيضا أميركية.
“بوتين” وفرصة الدور التاريخي..
ربما ستلعب العلاقات الطيبة – بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتانياهو”، والرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين” – دوراً أهم بكثير من التفاهمات التكتيكية الحالية. ومن المتوقع جداً أن يكون لدى “بوتين” الرغبة في لعب دور تاريخي عبر دفع إسرائيل وسوريا نحو تسوية سياسية كانت الدولتان أقرب إليها قبل 18 عاماً. إن قُرب “بوتين” من الجانبين وتفهمه للاحتياجات الأمنية الإسرائيلية من شأنه أن يصب في صالح إسرائيل.
وجدير بالذكر أن “نتانياهو” قد شارك في السابق – من خلال “رون لاودر” – في مفاوضات بشأن “مرتفعات الجولان”، وغاية ما يمكن أن يفعله الآن هو إخراج الملف الخاص بذلك من الأرشيف. وينبغي على إسرائيل أن تتمسك بمصالحها الأمنية في مثل تلك التسوية، وأن تدرك بأن سلاماً مع سوريا سيكون له إنعكاسات كبيرة على تنظيم “حزب الله” وعلى العلاقات الإسرائيلية اللبنانية، وربما أيضاً على التهديد الإيراني.
ختاماً يؤكد “بيلين” على أن دول الخليج لن تصفق لإسرائيل إذا سعت لتحقيق تسوية سياسية مع سوريا، وربما هناك سياسيون غربيون سينصحون إسرائيل بعدم التوصل إلى سلام مع “بشار الأسد”، ولكن ربما تكون تلك اللحظة هي تحديداً الأنسب لتحقيق المصلحة القومية لإسرائيل.