ووفق المصادر فإن القوات الأميركية وبعد طردها من النيجر، تقوم الآن بالتمركز في الدول المجاورة وتحديدا في بنين وكوت ديفوار، كما يتم التفاوضُ لعودة قوات الكوماندوز الأميركية إلى قاعدة كانوا يشغلونها سابقًا في تشاد.
يتضمن التحرك الأميركي إعادة توزيع 1100 جندي أميركي تم طردهم من النيجر بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة المدنية الموالية لأميركا في العام الماضي.
وشملت الانسحابات الأميركية إخلاء 3 مواقع للقوات الخاصة وسحب طائرات الاستطلاع بدون طيار من قاعدة بتكلفة 110 ملايين دولار تم تشغيلها قبل 5 سنوات في مدينة أغاديز الصحراوية.
كما تعمل الولايات المتحدة على ترميم مهابط الطائرات وتركيب ملاجئ للطائرات في بنين، وكذلك تدريب القوات المحلية في ساحل العاج، بالإضافة إلى التفاوض مع تشاد لإعادة القوات الأميركية هناك.
فقدان النفوذ المباشر
لكن مع كل هذه التحركات، تعترف الولايات المتحدة أن الأهداف الأمنية أصبحت أصعب في تحقيقها بسبب فقدان النفوذ المباشر في منطقة الساحل.
وقال اللواء المتقاعد مارك هيكس، القائد السابق للقوات الخاصة الأمريكية في إفريقيا: “فقدان النيجر يعني أننا فقدنا قدرتنا على التأثير المباشر في مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد في منطقة الساحل”، في إشارة إلى الشريط الصحراوي الواسع جنوب الصحراء الكبرى.
المسلحون الإرهابيون يتسببون في الفوضى عبر وسط منطقة الساحل في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث يهاجمون الشرطة والجيش، ويثيرون القضايا المحلية، ويفرضون فكرهم المتطرف في القرى التي يحتلونها، مما أسفر عن مقتل حوالي 38000 شخص منذ عام 2017، وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية الإفريقية التابع للبنتاغون.
في أغسطس الماضي، قُتل حوالي 200 شخص في بوركينا فاسو في يوم واحد، وفقًا للأمم المتحدة. حيث أفادت بأن أعضاء مشتبه بهم في مجموعة “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة أطلقوا النار على مدنيين كانوا يحفرون خنادق لحماية بلدتهم من الهجمات.
خلال العامين الماضيين، ظهرت الجماعات المسلحة من منطقة الساحل وبدأت في شن هجمات تجريبية على الدول الساحلية الأكثر استقراراً في منطقة خليج غينيا.
الإرهاب ينفجر في منطقة الساحل
ويرى عمر الأنصاري الصحفي المتخصص في شؤون الساحل والصحراء، أن سبب تأزم الوضع في منطقة الساحل الطرد العسكري للولايات المتحدة وفرنسا الذي شهدته مالي والنيجر وبوركينا فاسو بعد الانقلابات، شجع الجماعات الإرهابية على رأسها تنظيمي داعش والقاعدة على التكاثر والتوسع في هذه المنطقة، لأن أميركا كانت تتعقب أنشطة هذه الجماعات عبر قواعدها في النيجر وكانت فرنسا أيضا تتعقبهم عبر قواعدها في مالي.
ويضيف الأنصاري في حديث لـ”سكاي نيوز عربية”:”بعد أن خلت منطقة الساحل والصحراء من الوجود والمراقبة العسكرية الأميركية والفرنسية تكاثرت هذه الجماعات المتطرفة بشكل تلقائي سواء الموجودة في مالي أو النيجر مع امتدادها في نيجيريا عبر بوكو حرام، وأصبح هذا المجال مفتوحا لهذه الجماعات وبدأت تزحف في المنطقة.
ويتابع: “الدول الثلاثة مالي والنيجر وبوركينافاسو تبدو للمراقب كأنها غير معنية بمحاربة الإرهاب فهي مشغولة الآن بصناعة شراكات مع روسيا.. مالي جلبت فاغنر لمحاربة الأزاوديين.. والنيجر بعد انسحاب أكبر قاعدة أميركية في منطقة أغاديز أصبحت نيامي عاجزة عن صد الهجمات الإرهابية التي أصبحت تتمدد داخل النيجر”.
وأوضح الأنصاري: “الوجود الأميركي والفرنسي خلال العقد الماضي لم يأت بأي حلول حاسمة في قضية محاربة الإرهاب، رغم وجود تحالفات ضخمة وكبيرة أنفقت عليها أموال طائلة.. هذه التحالفات واجهتها انتقدات كبيرة على الأرض بأنها لم تقم بما كان متوقعا منها في دحر وطرد الجماعات الإرهابية”.
ويرجح الصحفي والخبير في منطقة الساحل والصحراء: “الأسباب دائما هي أن الولايات المتحدة التي تقود هذا التحالف لمحاربة الإرهاب في الساحل والصحراء تزعم دائما أن المنطقة شاسعة وكبيرة وتحتاج إلى إمكانيات أكبر، خصوصا الصحراء الكبرى التي تشكل تحديا كبيرا أمام القضاء على هذه الجماعات، التي تنبت من جديد في مناطق أخرى من هذه الصحراء المترامية الأطراف.
ويوضح: “الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء ليس مؤدلج بالمعنى، ليس له هيكل يمكن استهدافه للقضاء عليه وإنهاؤه.. فهو ينبت مع الفقر مع الحاجة مع حروب المياه والرعاة والمزارعين.. يعيد تشكيل نفسه في عدة أشكال وأنماط متعددة”.
وخلص الأنصاري إلى صعوبة السيطرة على هذه الجماعات بسهولة من قبل الولايات المتحدة التي تحتاج إلى شركاء حقيقيين كان من المفترض أن تكون الدول الانقلابية الثلاث مالي والنيجر وبوركينافاسو أهمها، لكن هذه الدول اختارت طرد أميركا وقبلها فرنسا فيما لم يكن لديها أية خطط بديلة.