بقلم: د.سرور محمد خليل صگر
العقلانية الأداتية (Instrumental Rationality) هي مفهوم يُستخدم في الفلسفة وعلم الاجتماع لوصف استخدام العقل بطريقة تخدم أهدافًا معينة، حيث يُعتبر كل شيء أداة لتحقيق غايات معينة،فهي بحسب ماركس أنها تعطي الأولوية للكفاءة والإنتاجية على حساب القيم الإنسانية،إذ اعتبر أن هذا النوع من العقلانية قد يؤدي إلى “قفص من حديد” (Iron Cage)، حيث يصبح الإنسان محاصرًا في نظام عقلاني بحت يفقد فيه المعنى والحرية، وبحسب هوركهايمر وادورنو كلاهما وجها نقداً شديداً لها ، لأنها تساهم في استعباد البشر وتحويلهم إلى أدوات في نظام تقني واقتصادي يفتقر إلى أي بعد أخلاقي أو إنساني. هذه العقلانية بحسبهم تؤدي إلى تهديد الحرية الفردية وتقويض الذاتية البشرية، اما بحسب هابرماس ايضاً رفضها ودعى الى”عقلانية تواصلية” (Communicative Rationality)، حيث يتم التركيز على الحوار والتفاعل الاجتماعي كأساس لتحقيق التفاهم والتعاون الأخلاقي.
إذ ان العقلانية الأداتية لدى الفنان العراقي تتعلق بمدى استخدامه للعقلانية كأداة لتحقيق أهداف معينة في عمله الفني، يمكن أن تكون هذه العقلانية مرتبطة بوسائل فنية وتقنية، أو بأهداف اجتماعية وسياسية، أو حتى بعملية تكييف الفن مع ظروف وتحديات العصر،على سبيل المثال، نجد بعض الفنانين العراقيين يتبنون أساليب فنية تعتمد على الرمزية أو التجريد لتعكس أفكارًا فلسفية أو نقدًا للوضع الاجتماعي والسياسي. العقلانية هنا ليست مجرد أداة لتنظيم العمل الفني، بل هي وسيلة لخلق حوار مع المتلقي ودفعه إلى التفكير في القضايا المطروحة،كما يمكن أن تكون العقلانية الأداتية جزءاً من توجهات فنية تُستخدم للتعبير عن مواقف سياسية أو اجتماعية، حيث يسعى الفنان من خلال أدواته إلى توصيل رسائل محددة بفعالية ودقة، مع مراعاة السياق الثقافي والجمهور المستهدف.
لذلك فأنها في السياق الفني، وبالأخص في الفن الأدائي (Performance Art) والتشكيلي (Visual Art) في المجتمع العراقي، يمكن تحليل العقلانية الأداتية من عدة جوانب، ففي الفن الأدائي، تُستخدم العقلانية الأداتية لتوصيل رسائل محددة أو للتعبير عن قضايا اجتماعية وسياسية. على سبيل المثال، قد يستخدم الفنان الأدائي جسده كأداة لنقل تجارب ومشاعر تتعلق بالحروب أو الصراعات الداخلية في العراق،يمكن أن تكون هذه الأعمال وسيلة لتعزيز الوعي أو الدعوة إلى تغيير اجتماعي، حيث يُستخدم الأداء كأداة لتحقيق غايات تتجاوز حدود الفن نفسه،أما في الفن التشكيلي فتتجلى العقلانية الأداتية في استخدام العناصر البصرية بطريقة تخدم غايات معينة. قد يُستخدم اللون، الشكل، والخط كأدوات لنقل معانٍ معينة ترتبط بتجارب المجتمع العراقي. على سبيل المثال، يستخدم الفنان العراقي الرموز أو الألوان التي ترتبط بثقافة معينة أو تاريخ معين لإيصال رسالة محددة حول الهوية أو الذاكرة الجماعية، لذلك فإن العقلانية الأداتية في الفن العراقي تعكس غالبًا واقع المجتمع الذي يعاني من تحديات عديدة،نتيجة لذلك يضطر الفنانون إلى توجيه فَنَهمْ لخدمة أهداف اجتماعية أو سياسية معينة، مما يجعل الفن وسيلة وليس غاية في حد ذاته،هذه العقلانية قد تساهم في تقييد الإبداع الفني، وهنا يُنظر إلى الفن كأداة لتحقيق غايات خارجية بدلاً من كونه عملية إبداعية حرة.
هذا التركيز على الوسائل والغايات قد يؤدي في بعض الأحيان إلى تقييد الحرية الفنية أو تحويل العمل الفني إلى أداة دعائية (Propaganda Tool)، حيث يُنظر إلى قيمة الفن من منظور وظيفته الاجتماعية أو السياسية، بدلاً من قيمته الجمالية أو الثقافية البحتة.