انتظر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، البرلمان حتى يقر مشروع قانون موازنة العام 2018، ليلعب ورقة مزدوجة التأثير، معلنا عن مساواة رواتب مقاتلي الحشد الشعبي بالجيش العراقي، ليضمن دعاية انتخابية واسعة، ويحكم قبضته على مفاصل إدارة هذه القوة التي يتنامى تأثيرها كثيرا في الشارع العراقي.
وتأتي هذه الخطوة في إعلان صريح من رئيس الوزراء عن رهانه على الحشد لخوض انتخابات مايو وقطع الطريق أمام منافسه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وأصدر العبادي أمرا ديوانيا، أعاد بموجبه “تكييف أوضاع مقاتلي الحشد الشعبي ومساواتهم مع الجيش العراقي من حيث الراتب والمخصصات”.
وشكلت قضية رواتب ومخصصات مقاتلي الحشد، مادة للجدل والمزايدات لدى مناقشة الموازنة المالية للعام الجاري، التي تأخر إقرارها 3 شهور بسبب الخلافات السياسية بشأن حصص كل من الشيعة والسنة والأكراد. ولم تلب الموازنة طلبات قادة في الحشد الشعبي، بمساواة رواتبهم ومقاتليهم بعناصر الجيش العراقي، لأن البرلمان لا يملك حق إضافة أي أعباء مالية إلى الموازنة.
وطالبت قيادات الحشد الشعبي بإعادة النظر في الموازنة، فيما اعتبرت إقرارها من دون تضمينها امتيازات مالية لعناصر الحشد، هو “تنكر للتضحيات”.
ووفقا لمراقبين، فقد أحسن العبادي استغلال هذا الجدل، فأصدر أمره الديواني، ليتحول إلى منقذ في عيون مقاتلي الحشد، الذين يتمتعون بشعبية كبيرة في الأوساط الشيعية الشعبية، وسط توقعات بأن يشكلوا “خزانا انتخابيا” مؤثرا.
وبدأ العبادي أمره الديواني بالإشادة بفتوى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، التي تطوع بموجبها آلاف الشبان العراقيين صيف 2014 لوقف زحف داعش نحو بغداد، بعدما أسقط أجزاء واسعة من البلاد.
ويعتقد مراقبون أن افتتاح الأمر الديواني بهذه الإشادة هو محاولة لعزل التأثير الإيراني على المشهد المحيط بالحشد الشعبي، إذ تراهن طهران كثيرا على شعبية هذه القوة، في رفع حلفائها العراقيين الذين ترشحوا للانتخابات العامة المقررة في مايو.
واستنادا إلى بند في القانون الذي أقره البرلمان مسبقا لتنظيم عمل الحشد الشعبي في هيئة رسمية، فصل العبادي، خلال الأمر الديواني، واجبات وحقوق والتزامات جميع القادة والمراتب والمقاتلين في هذه القوة.
وتنص التعليمات على منح منتسبي الحشد الشعبي “استحقاقاتهم المالية أسوة بأقرانهم في وزارة الدفاع ووفقا للقوانين النافذة”، فضلا عن “ترقية المقاتلين المتطوعين وفقا للمادة المحددة في قانون الخدمة والتقاعد العسكري رقم (3) لسنة 2010 (المعدّل)”، ما يعني مساواة كاملة بالقوات المسلحة.
وتتيح التعليمات لمنتسبي الحشد أيضا، القبول “في الكليات والمعاهد العسكرية وفقا للضوابط المعتمدة في هذه الكليات وتُحدد نسبة المقبولين بالتنسيق بينها وبين وزارة الدفاع ووفقا لاحتياجات الهيئة”.
وأعطى العبادي نفسه حق “تثبيت منسوبي الهيئة بأمر ديواني يصدره القائد العام للقوات المسلحة”، كما أعطى لنفسه حق “استثناء المقاتلين الذين شاركوا في قتال داعش لمدة لا تقل عن سنة من الشروط والضوابط القانونية”.
لكن منح الحقوق الكاملة للمقاتلين والمراتب الصغيرة، لم يكن بلا ضريبة على القيادات البارزة في الحشد، إذ يعتقد مراقبون أن رئيس الوزراء العراقي استخدم صلاحياته القانونية لعزل جميع القادة الحاليين للحشد، بعدما نصت التعليمات الجديدة على شروط لا يمكن توافرها فيهم.
واشترطت تعليمات العبادي “في من يشغل منصب آمر تشكيل فما فوق أن يكون خريج دورات كلية القيادة أو كلية الأركان التابعة لوزارة الدفاع، ولا يكون إشغال المناصب المذكورة إلا بموافقة القائد العام للقوات المسلحة”.
وحصر العبادي حق استثناء من لا تتوفر فيه الشروط المذكورة، بشخص رئيس الوزراء، بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة.
ويتوقع مراقبون أن تؤدي هذه الشروط إلى عزل معظم قادة الحشد الشعبي حاليا، أو الإبقاء عليهم بشروط العبادي.
ويبدو أن زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، تنبه إلى خطورة بعض فقرات هذه التعليمات على مستقبل قادة الفصائل الموالين لإيران، مطالبا العبادي بأن “يكون قادة الحشد الشعبي وأمراء الألوية هم من نفس الحشد”.
ويقول مراقبون إن قيادات الحشد الشعبي الحالية، الموالية لإيران، تخشى أن يستخدم العبادي، حقيقة منح صغار المقاتلين حقوقهم الكاملة، ذريعة لتصفية القادة الكبار، أو عزلهم، أو إبقائهم بشروط تكبلهم.
لكن مراقبا سياسيا عراقيا يقول إن كل ما يفعله العبادي في الأيام الأخيرة من ولايته الأولى يمكن تفسيره على أساس انتخابي، غير أن إقرار وضع ثابت للحشد الشعبي من ناحية الامتيازات المالية ليس كذلك، فهو يتعلق بدرجة أساسية برغبة إيرانية أولا وبضغط مارسته أطراف شيعية متشددة كانت ورقة الحشد الشعبي تمثل واحدا من خياراتها في إضعاف موقع العبادي انتخابيا.
وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب” أن العبادي نجح من خلال قراراته الأخيرة في حرق تلك الورقة، غير أنه لن ينجح في عزل قيادات الحشد الشعبي التي صارت جزءا من المشهد السياسي المضطرب، معتقدا أن ما سيجري مستقبلا هو أن تلك القيادات ستعزز مواقعها داخل الحشد ولن يجرؤ العبادي أو سواه على المس بتلك المواقع التي هي من اختصاص قاسم سليماني (قائد الحرس الثوري الإيراني)، الزعيم الحقيقي للحشد.
وأشار إلى أن القرارات الجديدة للعبادي سمحت لأفراد في الحشد الشعبي بالتغلغل في الجيش العراقي، وأنه ليس من المستبعد أن يهيمن الحشد على الجيش، ما يمكن أن يشكل ضربة عنيفة لكيان الدولة العراقية، لافتا إلى أن الحشد سيحتفظ باستقلاله بغض النظر عن القوانين التي ستكون مجرد حبر على ورق، وأن ما يقال عن تابعية الحشد للقائد العام للقوات المسلحة ليس سوى كلام مرسل يُراد منه إضفاء الشرعية على وجود ميليشيات طائفية، لها مشروعها الخاص الذي لا يلتقي مع بناء الدولة.
ويعتقد المراقب أن العبادي من خلال قراراته الأخيرة قد أقر بضعفه أمام قيادات الحشد الشعبي، وأن الحشد لن يكون مصدرا لقوته، بل العكس هو الصحيح، والدليل على ذلك أن تحالفه مع تلك القيادات لم يصمد إلا ساعات قليلة.