بقلم: الفريق الركن صباح نوري العجيلي
في إطار خصخصة الحروب وتكليف شركات مدنية في مهمات عسكرية سواء كانت قتالية أو لوجيستية والتي كانت بالأساس حكراً على المؤسسة العسكرية، وفي بداية العقد الاول من القرن الواحد والعشرين وفي أعقاب احتلال أفغانستان والعراق ، توصلت الادارة الامريكية الى فكرة الاستعانة بمصادر خارجية لتنفيذ بعض الخدمات والمهمات العسكرية الخاصة، لتكلف الشركات الأمنية بخدمات الدعم القتالي واللوجيستي ومرافقة القوافل وحماية الشخصيات الهامة واستجواب الأسرى.
وبعد مرور العديد من السنوات تبين ان الشركات العسكرية الخاصة تجاوزت هذه المهمات وانها تشارك بالعمليات القتالية بشكل مباشر وغير مباشر. وتبقى الخدمات التي تقدمها تلك الشركات وموظفيها جذابة الى حد كبير ، حيث تستطيع الحكومات ادارة حروباً خارجية بالوكالة عن طريق توظيف هذه الشركات بدلا من تكليف قواتها المسلحة خارج الحدود .
يطلق على الشركات الامنية الخاصة تسميات عدة، منها على سبيل المثال، الشركات العسكرية الخاصة والشركات الأمنية الخاصة ومقدّمو الخدمات العسكرية، ومتعاقدو الخدمات العسكرية الأمنية الخاصة وجيوش الظل.
مفهوم الشركات الامنية
عرفت الأمم المتحدة، شركات الخدمات الأمنية والعسكرية الخاصة بأنّها : شركات ذات كيان قانوني، تقدم لقاء مقابل مادي، خدمات عسكرية أوأمنية بواسطة أشخاص طبيعيين أو كيانات قانونية، بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي والاستخبارات والتحقيقات وعمليات الاستطلاع البري أو البحري أو الجوي، وعمليات الطيران أياً كان نوعها، والمراقبة بالأقمار الصناعية. أمّا الخدمات الأمنية، فتتضمن حراسة أو حماية المباني والمنشآت والممتلكات والأشخاص بواسطة حرس مسلحين، وأي نوع من أنواع نقل المعارف بواسطة تطبيقات أمنية أو تطبيقات حفظ النظام، واتخاذ تدابير أمنية لأغراض الرقابة وتنفيذها.
ويشير مفهوم صناعة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، بصورة عامة، إلى شركات تجارية تبرم عقوداً قانونية تهدف بالأساس إلى تحقيق الربح مقابل ما تقدّمه من خدمات تتعلق بالمجال الأمني.
والشركات الأمنية التي تسمى بجيوش الظل في الوقت الراهن ليست قوى عشوائيةً، بل يتم تنظيمُهم وتجنيدُهم وتدريبُهم من قِبل جهات خاصة تدعى شركات الخدمات الأمنية وفي اطار استراتيجية خصخصة الحروب التي لجأت لها الدول الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة للتقليل من النفقات والتخفيف عن كاهل القوات المسلحة ، ويطلق على عناصرها تسمية المُتعاقدين الأمنيّين. وعلى الرغم من أن شركات أمريكية عديدة تحتكر تجارة تجنيد المرتزِقة مثل شركة بلاك ووتر، فإن ولاءَ هذه الشركات ليس لحكومة بعينها، إنما لمن يدفع أكثر فحسب. وتعد الولايات المتحدة وجنوب افريقيا من الدول المتقدمة في هذا المجال.
وتستخدم هذه الشركات أيضًا من لديهم خبرة عسكرية ومعرفة مسبقة باستخدام الأسلحة والمعدات ويطلق عليهم تسمية (المتعاقدين العسكريين)، وهم يقدّمون خدماتهم لجميع الدول والأفراد الذين يستطيعون أن يدفعوا مقابلًا لهذه الخدمات. فعلى سبيل المثال، كثَّفت إدارة جورج بوش من الاستعانة بخدمات هذه الشركات خلال غزو العراق في 2003، وكذلك بالحرب الأمريكيّة في أفغانستان. و كذلك تجنيد المرتزِقة في النزاعات بسوريا، وليبيا، وأوكرانيا.
أسباب توظيف الشركات الامنية
تعددت دوافع واسباب اعتماد الشركات الامنية الخاصة والتي نتطرق الى اهمها على النحو الأتي:
– التخفيف عن كاهل الجيوش في زمن الحروب واوقات الطوارئ وتكليف الشركات في تنفيذ مهام قتالية ثانوية ولوجيستية كحماية المنشئات الحيوية وحراسة الارتال وطرق التنقل ومكافحة الارهاب ومعالجة حالات الشغب والاضطرابات في اطار الحروب بالوكالة او الإنابة.
– استخدام الشركات كأدوات حماية للدول الخاضعة تحت سيطرة تحت الاطراف الدولية الكبرى ، حيث توفر الحماية والحراسة للشخصيات والافراد من مسؤولي تلك الدول ما يعتبر اقل تكلفة من القوات المتدخلة.
– القيام بدور الحروب بالوكالة لصالح الدول الكبرى
– خصخصة الحروب هي السياسة الجديدة لأمراء الحرب نظرًا لتحالف تلك الشركات مع مجمعات صناعة الأسلحة والتي تستفيد من نشوء النزاعات المسلحة وتعاظم معدلات العنف.
– تنفيذ عمليات وانشطة خارجة عن القوانين والمواثيق المعهود بها سواء من قبل الدولة الوطنية او المجتمع الدولي ، أي المساهمة بالانقلابات العسكرية لتغيير الحكومات التي ترفض الخضوع ، دون التورط علانية في مثل هذا السلوك غير المشروع.
– القيام بعمليات تحمل صفة الجرائم لصالح دولة معينة تخشى فعلها بالعلن لما فيه مخالفات للقانون الدولي والمعايير الانسانية .
– تقليص الولايات المتحدة وروسيا حجم وتعداد جيوشها ، كان أحد الاسباب لخلق فائض من العمالة العسكرية والخبرات والامكانيات التي كان يتمتع بها هؤلاء مما شكلوا نواة للشركات الامنية الخاصة.
شركة “فاغنر” الروسية
أعقب تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، تسريح عدد كبير من العسكريين والأمنيين الذين اتجهوا إلى تأسيس شركات أمنية وعسكرية، إذ توجد نحو عشرين الف شركة حماية في روسيا، وقرابة اربعة وعشرون شركة أمنية خاصة، إلا أنّ الأرقام الدقيقة تظل مجهولة عندما يتعلق الأمر بمنظمات أمنية حتى وإن كانت خاصة.
وتمثّل “فاغنر” الروسية إحدى أشهر الشركات العسكرية التي تنشط في المنطقة العربية بعد أفول نجم “بلاك ووتر” الأميركية، وقد تردّد اسمها لأول مرة خلال ضم روسيا شبه جزيرة القرم في العام 2014.
وتعود جذور شركة “فاغنر” إلى شركة “أوريل” لمكافحة الإرهاب التي تأسّست رسمياً في مدينة أوريل، في العام 2003، باعتبارها مركزاً للتعليم والتدريب غير الحكومي، وهي شركة أسسها أفراد متقاعدين من القوات الخاصة ووقعت تلك الشركة عقوداً مع شركات مدنية روسية مختلفة لحماية عملياتها التجارية في العراق وانبثقت عن هذه الشركة عدة شركات من أبرزها شركة تدعى مجموعة “موران للأمن” لتصبح مسجّلة رسمياً في العام 2011.
وظهر اسم ضابط الاستخبارات العسكرية (ديمتري أوتكين)، المولود عام 1970، والذي شارك في حربي الشيشان الأولى والثانية، ثم انتقل في عام 2000 إلى بلدة بيتشوري قرب الحدود الإستونية، حيث خدم كقائد لفرقة العمليات الخاصة “سبستيناز” في اللواء الثاني التابع للمخابرات العسكرية الروسية.
أسس أوتكين شركة “فاغنر” في العام 2014، على اسم الموسيقار الألماني ريتشارد فاغنر (1813-1883) الذي يعشق موسيقاه، وظهرت الشركة لأول مرة بالمشهد العام في شرق أوكرانيا، في آذار/مارس 2014، في وقت كان الكرملين بحاجة إلى خوض الحرب هناك بشكل سري لتخفيف الضغوط الدولية ضده. ونشطت “فاغنر” في جزيرة القرم ودونباس ولوغانسك، وخاضت معارك عديدة ضد القوات الأوكرانية.
وتنشط المجموعة في ليبيا منذ 2016، وتدعم القوات الموالية للقائد العسكري خليفة حفتر، ويُعتقد أنّ ما يصل إلى 1000 مقاتل من “فاغنر” شاركوا قوات حفتر في الهجوم الذي شنّته على الحكومة الرسمية في طرابلس عام 2019.
وشاركت قوات من المجموعة في جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2017 بحراسة مناجم الماس، وفق ما أفادت تقارير إعلامية بأنّ المجموعة تنشط كذلك في السودان، حيث تعمل على حراسة مناجم الذهب.
وفي الآونة الأخيرة دُعيت مجموعة “فاغنر” من قبل حكومة مالي في غرب أفريقيا لتوفير الأمن ضد الإرهابيين، وقد كان لوصول المجموعة إلى مالي أثر في قرار فرنسا بسحب قواتها من البلاد عام 2021.
وتقاتل عناصر فاغنر اليوم في اوكرانيا بالنيابة عن القوات الروسية وتخوض معارك شرسة في شرق البلاد وتحديدا في تخوم مدينة باخموت الاوكرانية ويقدر عديد عناصر بثلاثين الف مسلح وأستقطبت سجناء روس مدانين للقتال في صفوفها بالمعارك في اوكرانيا، وتفيد التقارير ان فاغنر تكبدت خسائر كبيرة بين صفوفها .
شركة بلاك ووتر الامريكية
لعبت الشركة الأمنية الأميركية ( بلاك ووتر) دوراً مهماً خلال حرب العراق كمقاول لحكومة الولايات المتحدة. وفي العام 2003 حصلت “بلاك ووتر” على أول عقد رفيع المستوى عندما تلقت عقداً بقيمة 21 مليون دولار لحراسة رئيس سلطة التحالف الموقتة السفير (بول بريمر). وفي حزيران/يونيو 2004، تلقت الشركة أكثر من 320 مليون دولار من أصل مليار دولار من ميزانية وزارة الخارجية لخمس سنوات لخدمة الحماية الشخصيات العالمية، والتي توفر الحماية للمسؤولين الأميركيين وبعض المسؤولين الأجانب في مناطق الصراع. وفي العام 2006 حصلت “بلاك ووتر” على عقد لحماية الدبلوماسيين في السفارة الأميركية في العراق.
وبسبب الفضائح التي لاحقتها إبان احتلال العراق، غيّرت “بلاك ووتر” اسمها إلى “Service Xe ” في 2009، ثم “أكاديمي” في 2011، بعد أن استحوذت عليها شركات منافسة وأصبحت تحت لواء مجموعة “كونستليس”، التي تنشط في 20 بلداً وتوظف أكثر من 16 ألف شخص.
ويتركز نشاط “بلاك ووتر” باسمها الجديد في اليمن، إذ كشفت تقارير إعلامية توقيع مؤسسها عقود مع الإمارات والسعودية للقتال في اليمن .
تورط بلاك ووتر في جريمة ساحة النسور
وكانت الشركة قد تورطت في جرائم قتل كثيرة، أبرزها مجزرة ساحة النسور في بغداد، ففي العام 2007 أطلق اربعة من “حراس أمن” أميركيون النار على مدنيين عراقيين، فأردوا (17) قتيلاً وأصابوا (17) آخرين، لقد تابع العالم المحاكمة بشغف لأسباب كثيرة، فبالاضافة إلى مقتل مدنيين عراقيين في بلدهم على يد “عسكريين” أميركيين، وعرف المتابعون أنّ “العسكريين” ليسوا جنوداً بالمعنى المعروف، لكنهم عناصر يعملون في شركة “بلاك ووتر” الأمنية الأميركية، وحينها أدرك العالم أنّ مقاتلي “القطاع الخاص” باتوا واقعاً، وبدأ البحث عن الشركة وأصلها وتأسيسها وطبيعة عملها.
هذه المجزرة أثارت غضباً دولياً من استخدام الشركات الأمنية الخاصة في الحروب، وأدين اربعة من أفرادها بالسجن بين المؤبد و30 سنة، لكن الرئيس الأميركي السابق ( دونالد ترمب) أصدر في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، عفواً عن عناصر “بلاك ووتر” الأربعة !!
“جي فور اس”.. أكبر “الجيوش الخاصة”
“جي فور أس” واحدة من أكبر شركات الخدمات الأمنية متعددة الجنسيات، وهي بريطانية الأصل، وتوصف بأنها أكبر “جيش خاص” في العالم، مقرّها الرئيسي في (كرولي) الواقعة جنوب لندن في ويست ساسكس، وتعمل في أكثر من 125 دولة، ولديها أكثر من 650 ألف موظف في العالم، ويُعتقَد أنّها ثاني أكبر شركة خاصة عالمياً، بعد شركة “والمارت”. تتولى مسؤولية الأمن في أكثر من 150 مطاراً في العالم، ويتولى عناصرها وظيفة رجال شرطة في بريطانيا.
بعد بسط سيطرتها داخل قاعدتها التقليدية في أوروبا والولايات المتحدة، بدأت الشركة البريطانية الدنماركية، المعروفة بتنافسيتها الشديدة، بالتوسع في الخارج، وكان الشرق الأوسط هو أحد أهدافها الرئيسة، وتجاوزت تكلفة عملياتها في المنطقة 410 ملايين دولار، بأقل من 50 ألف موظف.
ولشركة “جي فور أس” جانب أكثر قتامة بكثير مما تسعى لترويجه كتيباتها الرسمية، إذ ظهر تورطها في سوء معاملة المعتقلين البريطانيين، ثم ظهرت أدلة قاطعة على دورها في مساندة الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية عام 2012، حيث قدمت تجهيزات وخدمات أمنية للسجون التي يُحتجَز فيها الأسرى الفلسطينيون، وخدمات أمنية إلى الشركات في المستوطنات، إضافة إلى خدمات صيانة نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية. وقد أصبحت فيما بعد شركة “هاشميرا”، أول شركة أمنية خاصة والتي يعمل بها حالياً 15 ألف موظف، فرعاً للشركة الأمنية العملاقة “جي فور أس”.