رغم الإستفادة من مصطلحي “الحركة” و”التمرد”.. لكن لابد من معرفة الفرق بين الكلمتين بشكل أكثر عمقاً للوصول إلى فهم أقرب للأوضاع الراهنة في إيران. وربما تختلف الرؤى الشخصية بشكل كلي أو جزئي حيال الفرق بين الكلمتين، ولكن يمكن الوصول إلى مفاهيم أكثر وضوحاً بالنظر إلى حالات إندلاع “التمرد” أو “الحركة” في التاريخ.
وبالنسبة للحالة الإيرانية فإنه لا يزال من المبكر، كما يقول “جلیل روشندل”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة “كارولينا” الشرقية؛ تقديم تصور صحيح عن أسباب عدم قيام الحركات للتوافق والمصالحة، والآلية المحدودة المستخدمة ذات قدرة إستعراضية على القمع في الغالب، وهذا في حد ذاته نتاج تراكمات تاريخية. لذا لا يمكن تجاهل التاريخ بكل بساطة. لأنه حين ينجح النظام في إستعادة السلطة يستمر القمع الوحشيـة على غرار قمع مظاهرات “الحركة الخضراء”، على خلفية الموقف من الإنتخابات الرئاسية عام 2009، والتي لاتزال قائمة بعد مرور ثماني سنوات.
الحركة والتمرد..
ثمة تشابه كبير في المفهوم العام لكلمة “الحركة” مع “التمرد”، وبنظرة أعمق يبدو أن الكلمتان غير متطابقتان، رغم إدعاء البعض أنه يمكن تحول “التمرد” إلى “حركة” والعكس.
على كل حال فالحركة عادة ما تنضوي على حراك داخل المجموعة أو المجموعات المتناغمة فكرياً بالمجتمع، والتي تريد نشر قيمها وآمالها وأفكارها المشتركة على مستويات أوسع، وتتحول في النهاية من القوة إلى الفعل.
وعلى صعيد تطبيق هذه الآهداف؛ فإن بمقدور “الحركة” أن تستفيد من “تمرد” فئات المجتمع، وقد تكون هى سبب الحراك. وبالتالي إذا عدم “التمرد” الدعم المدروس والهدف، فقد يستطيع بالحراك المحسوب جذب أفكار حركة ما، وقد يساء إستغلاله في مسار مضاد ضد حركة مدروسة. على سبيل المثال إذا أخذنا بعين الإعتبار القوى الموجودة داخل النظام الإستبدادي عبر المحفزات الكاذبة للمجموعات التمردية داخل المجتمع، أو حتى في شكل حشد البلطجية ضد حركة مدروسة ومنافسة.
ويمكن مشاهدة هذا الشكل من اللقاح الصناعي والمخلق الذي يستهدف المتمردين في هجوم البلطجية على “الحركة الخضراء” أو الأحداث التاريخية بإيران خلال المئة عام الماضية. ولقد كانت “الحركة الخضراء”، خلال العقد الماضي أقرب النماذج إلى الحركة، التي نجحت بعزمها إيجاد تغيير من الداخل، خلال فترة قصيرة، في حشد الفصائل والجماعات التي تعتنق نفسها أفكارها، وشرعت بواسطة خلق أمواج بشرية راغبة في تطبيق آمال الحركة إلى المنافسة ضد المرشح المقابل. وبدون الخوض في الأسس الفكرية لطرفي الإنتخابات الرئاسية في دورتها العاشرة، فإن علينا الإعتراف بإمتلاك “الحركة الخضراء” لبرنامج وهدف التغيير من الداخل وإستبدال النظم القائمة بأخرى تتطلع إليها الحركة، وهذه الخاصية هي ما تميز “التمرد” عن “الحركة”.
“تمرد” متعدد السيناريوهات والتطورات..
بحسب موقع (راديو الغد) الأميركي الناطق بالفارسية، يتساءل “جلیل روشندل”: “هل الإعتراضات الأخيرة تمرد أم حركة ؟”.. ويجيب؛ “بالنظر إلى التعريفات السابقة، وبنظرة أعمق لما شهدته إيران خلال الأيام الأخيرة، يمكن القول إن مجموع ما تشارف إيران عليه ليس شيئاً أكثر من (تمرد) إنتشر أفقياً بسبب سخط فئات المجتمع. وهذا التمرد رغم أنه نتاج السخط الشعبي؛ لكنه يفتقر إلى التنظيم الإيديولوجي والزعامة المطلوبة حتى يمكن تسميتها (حركة). مع هذا فالوضع مفتوح على عدد من السيناريوهات، لكن لا يمكن إلى الآن الحديث بشكل حاسم حول أحد السيناريوهات؛ لأن إنعدام الأدلة والشواهد الكافية يجعل من الصعب تقديم تقييم موفق في الوقت الراهن”.
1 – ركوب الموجة مجاناً: ربما تستطيع إحدى الجماعات أو التكتلات السياسية داخل إيران أو خارجها؛ أن تضطلع بزعامة هذا التمرد بشكل مفاجئ وغير متوقع. وهذا أسوأ سيناريو قائم، لأن الحاجة إلى الدعم الخارجي للبقاء سوف يحيل إيران إلى “سوريا جديدة”.
2 – ظهور قيادة جديدة: ربما يستطيع فرد أو جماعة، من داخل المجتمع، التصدي للزعامة بعد إقصاء الجميع، وقد يتعدى الأمر إلى “الزعامة الوطنية”. وهذا التطور مستحيل تقريباً بدون “الدعم العسكري”.
3 – الإنقلاب العسكري: دخول العسكريين على خط الأزمة له شكلان، الأول: إعمال القمع وتقوية “الزعامة الدينية”، بغرض دعم النظام القامع.. الثاني: إقصاء “القيادة الدينية” وإستبدالها بقيادة عسكرية. والهيكل العسكري في إيران يجعل إحتمالات إنقلاب فرد قوي أو ديكتاتور عسكري بشكل فردي مستحيل. مع هذا فإحتمال الحراك بين مجموعة من العسكريين قائم.
4 – تغيير شكل القيادات الراهنة: ربما يصل النظام الحالي إلى اتفاق مع المتمردين، ومن ثم الشروع في قمعهم والقضاء عليهم بعد السيطرة على الأوضاع؛ إحتمال وراد أيضاً.
5 – إمكانية التحول إلى حركة واقعية: وهو نوع التطور المطلوب للأحداث الجارية، ولكن نظراً إلى إنعدام البديل السياسي، الذي يحظى بالإجماع، وغياب الطبقة المتوسطة عن المشهد الراهن، لا يمكن توقع دعم مثل هذا الحراك من جانب فرد أو فكر خاص. ورغم تحول المتمردين عن المطالب المعيشية إلى السياسية، لكن مثل هذه المطالب لن تصل إلى شئ في ظل إنعدام زعامة واضحة، لأنه من الطبيعي أن يقاوم النظام السياسي هذه المطالب بأي شكل.