بعد كشف قطر الأسبوع الماضي عن اختراق طائرات مقاتلة إماراتية مجالها الجوّي ثلاث مرات بدءاً من 21 كانون الأول/ديسمبر وتقديم شكوى لمجلس الأمن قامت أبو ظبي بدورها بتقديم شكوى لمجلس الأمن بدعوى أن الدوحة اعترضت مرتين طائرة ركاب مدنية إماراتية.
تبع ذلك فصل جديد من مسلسل حجز الإمارات (على خطى السعودية!) حرّيات شخصيّات سياسية مع إعلان الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، وهو أحد أعضاء العائلة الحاكمة القطرية، منع السلطات الإماراتية له من السفر، وهو ما أحرج أبو ظبي ودفعها لإطلاق الشيخ الذي اتجه نحو الكويت ودخل مباشرة إلى مشفى عسكري، وكان نجل الشيخ قد هاجم الإمارات خلال فترة احتجاز والده محمّلاً ولي عهدها، محمد بن زايد، مسؤولية سلامة أبيه.
وصول التوتر بين البلدين إلى هذه المرحلة الخطرة يعني ببساطة أن خطط الحصار الممارسة ضد قطر لم تصل إلى النتيجة المتوخّاة منها، كما تكشف أن الإمارات تلعب دوراً رئيسياً في هذه الخطط، ومن ذلك ما انكشف مؤخرا عن تمويل أبو ظبي شركة أمريكية على علاقة مع ستيف بانون، المستشار المقال للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ودفعها 330 ألف دولار لقيام الشركة بحملة تشويه لقطر على وسائل التواصل الاجتماعي.
تكشف تفاصيل هذه الواقعة أيضا بعضاً من الأجواء الغريبة التي تتحرّك فيها الإمارات، فحسب القصة فإن أبو ظبي توسطت لعقد اجتماع بين صديق لبانون، وهو مؤسس شركة بلاكووتر الأمنية السيئة الصيت، مع شخص مقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كقناة سرية بين زعيمي أمريكا وروسيا.
الموقع الالكتروني (شبكة بريتبارت الإخبارية) الذي يديره بانون (قبل أن تقوم إدارته باستبعاده مؤخرا إثر وصفه لعلاقات ترامب الروسية بالخيانة) لا ينشر بكثافة معلومات مضادة لقطر فحسب بل هو مركز لليمين المتطرّف الأمريكي الذي يعادي المسلمين، وبانون هو مهندس حظر سفر المسلمين إلى أمريكا.
تتوالى الفضائح والمكاشفات التي تخصّ دول الحصار، ومنها أيضاً، التسجيل الصوتي الذي ظهر للشيخ عبد الله آل ثاني، والذي يقول إنه قرر يوم 15 كانون الثاني/يناير الجاري أن يضحي بنفسه بعدما تعرض لضغوط كبيرة، معلناً أن سبب الأزمة القطرية هو أن ولي عهد أبو ظبي والسعودية «طامعان في ثروة قطر».
ولا يحتاج الأمر إلى تفكير كثير لربط المقصود من تلك «الضغوط» التي مورست على الشيخ عبد الله، بأجواء التوتّر الأخيرة المتصاعدة، فالواضح أن الإمارات كانت تريد استخدام الشيخ لإعطاء شرعية لهجوم على قطر وتصوير عدوانها على أنه محاولة انقلاب، وأن رفض الشيخ عبد الله لذلك كان وراء الضغوط عليه وصولاً إلى تفكيره بالانتحار حفاظا على بلده وأسرته.
تصعب قراءة هذه الأحداث بمنطق سياسيّ محض، فهي، في إطارها العام، أقرب لمنطق الاستحواذ الغاشم منه إلى الخلاف السياسي، وهو منطق يستهين بالواقع بشكل خطير.
الأسوأ من ذلك أن بعض ما يحصل (كإزالة قطر من خريطة الخليج العربي في متحف «لوفر أبو ظبي») خرج كلّياً من منطق السياسة وأصبح أقرب للعقد الطفولية التي تحتاج علاجاً نفسيا أكثر مما تحتاج قراءة سياسية.