بقلم: الدكتور سعد شاكر شبلي
تعد مسألة تعميم قيم المثلية الجنسية من قبل جهات معينة من العالم الغربي في المنطقة العربية مسألة حساسة ومعقدة، تتقاطع فيها الاعتبارات السياسية والثقافية والدينية، وتثير هذه المسألة جدلاً واسعاً، وتتطلب تحليلًا دقيقًا بعيدًا عن الانحيازات الأيديولوجية، إذ يتناقل العديد من الباحثين والمدونين عدد من المؤشرات التي تتعلق بدور الولايات المتحدة الأمريكية في تعميم قيم المثلية الجنسية، من بينها:
1. السياسات الخارجية: يشير البعض أن المساعي الغربية تتجه إلى فرض قيمها الليبرالية على المجتمعات الأخرى، بما في ذلك المجتمعات العربية، كجزء من سياساتها الخارجية.
2. المنظمات غير الحكومية: يشير البعض إلى أن المنظمات غير الحكومية الغربية التي تعمل في عدد من الدول العربية تدعم وتروج لقضايا المثلية الجنسية.
3. وسائل الإعلام: يعتقد البعض أن وسائل الإعلام الأمريكية والغربية بشكل عام تسهم في نشر ثقافة المثلية الجنسية وترويجها في المجتمعات العربية والإسلامية.
4. جهود بعض القوى المحلية والإقليمية المساندة: يقول البعض بوجود مساعي بعض القوى المحلية التي لها امتدادات إقليمية تسعى لفرض سلوكيات هجينة تستند لطروحات قومية وأخرى مذهبية، وتجد بأن الوقت قد حان لإحداث التغيير الذي يسمح بالتعاطي مع تلك الطروحات سواء عبر نشاطات تشريعية أو ممارسات اجتماعية مغلقة بآراء دينية أو متطلبات قومية.
إن ما يعضد هذه المؤشرات يمكن ملاحظته من خلال ما شهدته حقوق المثليين ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسياً والمعروفة اختصاراً(LGBT) ، في الولايات المتحدة الأمريكية من تقدم بشكل كبير مع مرور الوقت، مع حدوث أغلبه في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين. في حين تعد الولايات المتحدة الأمريكية من بين أكثر البلدان ليبرالية في العالم فيما يتعلق بحقوق المثليين اليوم، إلا أنها لا تزال تختلف باختلاف الولاية القضائية، وبالتالي فهي تتخلف عن العديد من البلدان الأخرى في العالم الغربي ذات قوانين أكثر ليبرالية بشأن حقوق المثليين.
أما ما يتعارض مع تلك المؤشرات التي تتعلق بالدور الغربي بدعم وتعميم قيم المثلية الجنسية، فيقول المدافعين عنها بأنها تتمثل في الخلط بين القضايا، مبررين ذلك بأن الولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول الغربية يتبنون دعم حقوق الإنسان بشكل عام ودعم قضايا المثلية الجنسية بشكل خاص، لذلك فإن الدعوة إلى احترام حقوق الإنسان لا تعني بالضرورة فرض قيم معينة على المجتمعات الأخرى.
إلى جانب ذلك يدعي دعاة المثلية وجود تأثيرات ثقافية واجتماعية لا يمكن فصل بعضها عن الآخر كونها تحدث في المجتمعات وتكون نابعة من مجموعة العوامل الداخلية والخارجية، فالتأثيرات الغربية ليست العامل الوحيد المؤثر في هذه التغيرات، يعضد ذلك الإعلام المحلي ، إذ تؤدي وسائل الإعلام المحلية دوراً حاسماً في تشكيل الرأي العام، ولا يمكن تحميل الإعلام الأجنبي المسؤولية الكاملة عن التغيرات في القيم والمواقف.
وهناك التنوع داخل المجتمعات، إذ لا يمكن تعميم الرأي حول المثلية الجنسية على جميع أفراد المجتمع، فهناك اختلافات كبيرة في الآراء والمواقف تجاه هذه القضية حتى داخل المجتمع نفسه.
ويبقى لزاماً التوقف عند الاستنتاجات التي يفرضها الواقع العملي، حيث أن هذه القضية لها من التأثير ما يجعلها أكثر تعقيداً من كونها مسألة تتعلق بالدور الغربي في تعميم قيم المثلية الجنسية في المنطقة العربية بل من خلال أنها مسألة تتأثر بالعديد من العوامل المتداخلة. الأمر الذي يوجب وضع هذه القضية الاجتماعية في سياقها الثقافي والاجتماعي، وعدم فرض قيم من خارج هذا السياق. وذلك يتطلب اجراء حوار مستفيض بدلاً من التركيز على تحميل المسؤولية على الطرف الغربي، وأنه من الأفضل فتح حوار مجتمعي حول هذه القضية، مع احترام ثوابت القيم الاجتماعية والدينية مع مراعاة التنوع في الآراء والمواقف.