تكاد الدعوة إلى مقاطعة الإنتخابات العراقية تشكل رأيا شعبيا واسعا ولم تعد مجرد نقاشات بدأها مثقفون وكتاب وصحافيون على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان الشاعر والمدون الناشط ابراهيم البهرزي بدأ هذه الدعوة عبر صفحته على الفيسبوك بقوله “يعيب علينا بعض الاصدقاء دعوتنا لمقاطعة الانتخابات” فالمشكلة بحسب رأيه “تكمن في قانون سانت ليغو ١،٧ وفي مفوضية الانتخابات وقانون الأحزاب وليس في (معاداة الديمقراطية) كما يزعمون في محاولاتهم القمعية للرأي المختلف. قانون سانت ليغو يعطي أصوات الناخبين المبعثرة بين الكتل الصغيرة لكتل الحيتان، وكتل الحيتان هي تلك الكتل التي استثمرت مال الفساد السياسي لشراء قطعان الجهل السياسي، ومن المؤكد أن الشراة في العراق هم الاعلى يدا، لحيلة هؤلاء باستخدامهم المؤثر الطائفي والمال المنهوب، والباعة اخفض يدا لحاجتهم بسبب افقارهم، ولجهلهم بالملعوب”.
هذا القانون الانتخابي هو الذي يكرس بقاء طبقة القتلة والفاسدين، ولهذا يصرون على ابقائه في مناقشات برلمانهم، يضيف البهرزي موضحاً “الأمر الآخر هو نزاهة الانتخابات المشكوك فيها بوجود مفوضية تحاصصتها كتل الطبقة المهيمنة إياها وهي الضالعة تقنيا ً وحزبياً بتغيير مجرى الارادة الشعبية حتى وان استخدمت القوة والتخويف”.
وثالث الأمور المسببة لدعوة البهرزي التي أثرت نقاشا واسعا هو هلامية قانون الأحزاب الذي لا يحول دون مساهمة الأحزاب المشكلة على أساس طائفي وعنصري في الانتخابات ( وهو ما أقره نفس هذا البرلمان وكتله في ديباجة تجريم حزب البعث !)
بعض الأحرار
في ظل استمرار هذه الأمور الثلاثة “لا تغيير سيحصل” أما السعي للحصول على مقعدين أو ثلاثة أو عشرة في ظل هذه المعطيات، فهو لن يغير من الأمر شيئاً يخلص البهرزي الذي يشدد “التغيير الوحيد الممكن هو باطلاق التصويت للافراد حصرا دون أحزاب وكتل، واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة على أمل أن يجد بعض الأحرار في هذه البلاد فسحة لتقديم وجوه جديدة غير ملوثة”.
حل أممي
المطلب الشعبي الضروري هو الدعوة لتدخل الامم المتحدة لإقرار قانون الانتخاب الفردي، دون كتل واحزاب، مع اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة ، وبغير ذلك فان “أشرف المواقف الوطنية هي الدعوة للمقاطعة”، يشدد البهرزي الذي يناقشه أحد أصدقائه، رياض عبد الكريم، متسائلا “وهل المقاطعة سوف تغير المزمنين في السلطة؟ مقاطعة الصندوق تصب في مصلحة المزمنين في السلطة، واشتراك الملايين يفتح أبواب التغيير المنشود”، وهنا يرد البهرزي بالقول “حتى إذا اختاروا ياصديقي فان النظام الانتخابي سيخذلهم ، هذا النظام مصمم لانتخاب ١٥/٢٠ شخصا من حيتان المال السياسي الفاسد والبقية (إمعات) من أسوأ النماذج يختارها هؤلاء الحيتان من اتباعهم بانفسهم .مالم يكن القاسم الانتخابي الوطني هو الشرط الوحيد لفوز النائب فلن يتغير شيء”.
نحو برنامج سياسي عنوانه مقاطعة الانتخابات
ويكشف الكاتب والصحافي مشرق عباس في منشور على صفحته في الفيسبوك انه كان في مقدمة المطالبين بمقاطعة انتخابات 2014، وسعى بالفعل مع مجموعة من الأصدقاء المدنيين ضمن مشروع اطلقوا عليه “المبادرة المدنية” إلى مناقشة هذا الخيار، انطلاقا من فكرة ان “المقاطعة كالمشاركة يجب أن يكون لها هدف ويجب أن تنتج مكاسب للغالبية المدنية العراقية”.
ويعتقد عباس ان ثمة معادلة واجبة تجعل المقاطعة للانتخابات عملا سياسيا مؤثرا وهذه تستوجب خطوات عدة هي :
الخطوة الاولى – مقاطعة مشروطة باسم “المدنيين” تضع ضرورات المشاركة باصدار 60 قانوناً اساسياً من دونها مازلنا لا نقترب من مفهوم الدولة المدنية.
الخطوة الثانية – لم يكن بامكان القوى السياسية المهيمنة تطبيق أي من تلك الشروط المدنية، أو لن تهتم بها اساساً، وهذا في الحقيقة متوقع وربما يكون غاية براغماتية.
الخطوة الثالثة – اعلان المقاطعة الكاملة للانتخابات تحت سقف عدالة الشروط المدنية.
الخطوة الرابعة – اعتبار كل المقاطعين للانتخابات ونسبتهم 45% من الناخبين (ربما بهدف أو بلا هدف جزء من حركة المقاطعة المدنية) وبمعنى آخر منح المتذمرين أهدافا مشروعة للمقاطعة.
الخطوة الخامسة – البدء بجمع الخبرات العراقية المدنية المتفق عليها لتشكيل مجموعة لتنظيم (المقاطعة) وتتحدث باسم 45 في المئة من الشعب.
الخطوة السادسة – العمل طوال السنوات الاربع اللاحقة على انتاج تيار مدني سياسي يستلهم قيم المقاطعة واهدافها (برنامج القوانين المدنية) واعداده ورعايته للمشاركة في انتخابات 2018.
الحقيقة بحسب ما يوضح الكاتب والإعلامي مشرق عباس “في وقتها قلت للاصدقاء ان المشاركة لن تقود الى وصول 2-3 نواب مدنيين، بينما تحت ظل المقاطعة يمكننا ان نتوقع وصول 60 – 80 نائبا مدنيا على الأقل من داخل حركة المقاطعة إلى برلمان 2018. يطرحون قضية الدولة المدنية تحت سقف خطة القوانين”. أي ان ترجيحه للمقاطعة في 2014 كان سبتمر اليوم.
بعثيون يدافعون عن المشاركة !
يأتي الأكاديمي المقيم في أمريكا طاهر البكاء الذي شغل موقع قيادي في الاتحاد الوطني لطلبة العراق ابان حكم البعث بقوله “الدعوة لمقاطعة الانتخابات اُسلوب عاجزين. شاركوا بالتصويت لعناصر تتوسمون فيهم الخير وتعرفونهم حق المعرفة”، ليرد عليه الخبير العراقي بالانتخابات لدى الامم المتحدة، مؤيد الونداوي، بالقول “لا أرى فيها انتخابات بقدر ما هي عملية منح تخويل لأناس لا يستحقون…..في عراق اليوم الشعب ينتخب نوابا هم جدا مخلصين إلى رؤساء كتلهم ولا يهمهم الشعب ومعاناته وما يجري من تخريب لقيمه وعاداته عن قصد وإصرار”.
العشيرة أولا
الرأي العام الذي تمثله الجمهرة الواسعة للمواطنين في محافظة بجنوب العراق مثل ميسان، يبدي فتورا في حماسة الإقبال على الانتخابات البرلمانية، بل يشاركه في ذلك ممثلو أحزاب وقوى سياسية مشاركة في الانتخابات!.
فيرى مدير مكتب حزب “المؤتمر الوطني” في محافظة ميسان حكيم العبودي، “الانتخابات المقبلة هي إعادة نفس التقسيمات السابقة مع بقاء الطائفية والحزبية والمناطقية فضلا عن العشائرية التي ما زالت حاضرة وبقوة”، كما ينقل عنه موقع (ارفع صوتك) التابع لقناة الحرة الأمريكية.
وما انتهى إليه العبودي، يؤكده واقع محافظة ميسان ذات الطابع العشائري، فقد بدأت مبكرا بتحالفاتها السياسية على مستوى رؤساء الأفخاذ ووجهاء العشيرة، فضلا عن بعض الوجوه السياسية السابقة التي اعتمدت على دور العشيرة في حصد أعداد كبيرة من أصوات الناخبين.
وعن الكفة الأرجح يقول حسام مقداد وهو موظف حكومي “سيشتد الصراع بين العشائر والأحزاب إلا أن كفة الميزان ستكون لصالح العشيرة”.
ضعف الإقبال على الانتخابات ينعكس ضمن صورة عدة، فمن أصل 53 ألف بطاقة ناخب في مناطق وسط بابل وجنوبها، لم يتم تحديث سوى 16 ألف بطاقة فقط أي بنسبة تقل عن 30 بالمئة، وهي نسبة ضعيفة جدا مقارنة بنسبة سكان تلك المناطق واستقرارها، إذا ما قورنت بمناطق شمال بابل التي تعاني من ضعف أمني ينعكس ضعفا في الإقبال على تحديث السجلات.