تضغط الحكومة الاتحادية لتمرير مشروع قانون الموازنة المالية الاتحادية لعام 2018 قبل مؤتمر إعادة إعمار المدن المحررة ـ المقرر عقده في الكويت أواسط شباط/ فبراير الجاري، تجنباً للوقوع في «حرج» أمام المجتمع الدولي والدول المانحة.
وجرت جولة مناقشات في مجلس النواب حول مشروع القانون «المختلف عليه»، فضلاً استضافات لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في مسعى لتخطي جملة الاعتراضات على الموازنة.
ووفقاً للسياقات الدستورية، فإن أي مشروع قانون يخضع للقراءة مرتين قبل إقراره في مجلس النواب، لكن هذه المهمة تبدو أكثر تعقيداً بالنسبة لموازنة 2018، نظراً لكثرة «الاعتراضات» المثبتة عليها.
مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، تحدث لـ«القدس العربي»، عن أبرز ما يدور حول الموازنة من اعتراضات، إضافة إلى خطوات الحكومة بتجاوز الأزمة المالية، والمضي بمشروعها الإصلاحي.
وقال: «من المفترض أن يقوم البرلمان بقراءة مشروع القانون (الموازنة) قراءة أولى، قبل أن يقرر ـ في حال وجود ملاحظات، رده إلى الحكومة لتعديله».
وأضاف إن «مجلس النواب لديه جملة من الملاحظات ـ اطلعت عليها شخصياً. أعضاء البرلمان يريدون أن يعكسوا مطالب مناطقهم في الموازنة، ولهذا السبب فإن معظم المطالب كانت مناطقية، ولا تخلو من اللمحة الانتخابية»، مشيراً إلى إنه «لا يمكن للحكومة تلبية مطالب جميع النواب في موازنة اتحادية وطنية تخص عموم العراق. وفي حال استمر الحال على ما هو عليه الآن، فلن يمكننا تشريع الموازنة».
واعتبر أن مطالب النواب «لا ترقى إلى تعطيل الموازنة»، لافتاً «تعودنا أن لا تكون هناك موازنة في كل سنة انتخابية ـ كما جرى في 2014، وهذا الأمر يفسد العملية السياسية والنظام الديمقراطي في العراق».
وترى الحكومة إن الخيارات والأبواب المثبتة في موازنة 2018 تخص عموم المحافظات العراقية من دون استثناء، وأعربت عن استعدادها لمناقشة الملاحظات بشأنها خلال السنة المالية الحالية أو اللاحقة. وتتخوف الحكومة من «تعطيل الاستثمارات الجديدة والخدمات، إضافة إلى إعطاء إشارة سلبية للمجتمع المالي الدولي»، في حال لم يصوت البرلمان على الموازنة، وفقاً للمصدر الذي أكد «ارتباط العراق باتفاقات مع البنك وصندوق النقد الدوليين، ناهيك عن كوننا مقبلين على مؤتمر الكويت للمانحين وإعادة إعمار المناطق المحررة. واحدة من اتفاقاتنا مع البنك الدولي وصندوق النقد هو إقرار موازنة 2018».
اعتراضات انتخابية
واجتمع العبادي مع نواب التحالف الوطني (الممثل السياسي للشيعة)، واتحاد القوى (الممثل السياسي للسنّة)، إضافة إلى النواب الأكراد ـ كل على حدّة، لبحث ملاحظاتهم حول الموازنة، في مسعى لضمان إقرار مشروع القانون بأقرب وقت.
المستشار المالي للعبادي، وصف «أغلب» اعتراضات وملاحظات النواب على موازنة 2018 بأنها «مواقف انتخابية».
وقال: «الأكراد معترضون على تخفيض حصة الإقليم من 17٪ إلى نحو 12.67٪، وهذه نسبة موضوعية وواقعية»، موضّحاً إن «نسبة الـ17٪ أقرت في عام 2004 اعتباطا، من دون الأخذ بنسبة السكان».
كذلك لفت إلى أمر وصفه بـ«المهم»، يتعلق بـ«تصدير الإقليم النفط منذ عام 2014، من دون أن يعطي سنتاً واحداً للحكومة الاتحادية، وعلى الرغم من ذلك يطالب بنسبته، ناهيك عن استيلاء الاقليم على نفط كركوك منذ أكثر من ثلاثة أعوام مضت». وأكد أن «الحكومة تعتمد في توزيع حصص المحافظات في الموازنة وفقا للنسبة السكانية، لا سيما إن جميع محافظات العراق تعاني من المحرومية».
وكشف عن مطالب نيابية أخرى «تتضمن إنشاء طريق، وإنشاء مطار، ومطالب أخرى لا ترتقي إلى تعطيل الموازنة»، متسائلاً «لماذا يتذكر النواب هذه الملاحظات في هذا التوقيت؟ لماذا لم يطالبوا بذلك قبل سنوات؟».
واعتبر أن هناك «توجهاً لدى بعض النواب لفرض مشاريع في الموازنة الاتحادية، من دون دراسة جدوى أو أي أساس اقتصادي أو سند فني. معظم الملاحظات هي مواقف انتخابية».
فيما رأى إن النواب السنّة يسعون «لاستغلال مسألة النزوح وعدم استقرار سكان المناطق المحررة في الانتخابات والموازنة»، لافتاً إلى إن «هناك أموالاً مخصصة لإعادة الاستقرار، عن طريق خلية الاستقرار المدني المشكلة برئاسة الأمين العام لمجلس الوزراء».
وتابع: «هذه الخلية تصرف على مشاريع المياه والكهرباء والقطاع التعليمي، إضافة إلى إزالة الألغام وإحلال الأمن في المناطق التي يعود لها النازحون، ناهيك عن وجود خطة عشرية (تمتد لعشر سنوات) لإعادة الإعمار، ستستلهم دعمها من مؤتمر الكويت».
نصف مليون موظف «عاطل»!
في غضون ذلك، كشف مستشار العبادي عن ذهاب نحو 77٪ من الموازنة الاتحادية إلى الميزانية التشغيلية، وما يتبقى ـ نحو 23٪، مخصص للميزانية الاستثمارية.
وتحدث عن «مشكلة كبيرة» تتمثل بـ«رواتب الموظفين والمتقاعدين وشبكة الرعاية الاجتماعية والنازحين، التي تشكل أكثر من 50٪ من إجمالي مبالغ الموازنة أو ما يسمى مدخولات من طرف واحد»، لافاً إلى إن «هناك نحو 4 ملايين و500 ألف موظف ومتعاقد حكومي، بينهم من يعمل في شركات التمويل الذاتي (معطّلة منذ 2003) التي من المفترض أن تكون رواتبهم على تلك الشركات وليس على الحكومة».
وأضاف قائلاً: «هناك نحو نصف مليون عامل عاطل ـ من بين العدد الإجمالي للموظفين في العراق، يتلقون راتباً. هؤلاء يعملون في شركات التمويل الذاتي التي اضطرت إلى أخذ قروض ـ منذ عام 2003، من المصارف الحكومية على أمل أن تعيد نشاطها» مشيراً إلى إن تلك القروض تقدر بنحو 9 تريليونات دينار».
وعلى إثر ذلك، قررت الحكومة أن تعرض هذه المشاريع إلى الشراكة ـ بين القطاعين العام والخاص.
فجوة مالية
ويعوّل العراق على المجتمع المالي الدولي في دعمه لتجاوز أزمته المالية وتنفيذ خطة لإصلاح الاقتصاد العراقي، الذي يعتمد على النفط كموردٍ أساسي للتمويل.
وقال صالح إن «العراق لديه اتفاق مع صندوق النقد الدولي (اتفاقية الاستعداد الائتماني) التي أصبحت نافذة المفعول منذ تموز/ يونيو 2016، يحصل العراق بموجبها على دعم دولي ـ سواء من الصندوق أو البنك الدولي أو من الدول الأعضاء في الصندوق».
وأضاف: «المجتمع المالي الدولي كان يقدر الفجوة المالية في العراق بين الأعوام 2016-2019 بنحو 18 مليار دولار، تموّل من مصادر خارجية، وصندوق النقد الدولي هو المسؤول عن سد فجوة العجز».
وقرر صندوق النقد الدولي منح العراق قرضاً (STAND BY) ـ أي يمنحه في حال احتاجه فعلياً، لكن ضمن عدّة متطلبات وشروط، يتفق معظمها مع برنامج الإصلاح الحكومي، حسب المصدر الذي أكد إن «الصندوق يجري مراجعات (3 حتى الآن) للموازنة الاتحادية كل أربعة أشهر، وحتى تمشي المراجعة الأخيرة أمام المجلس التنفيذي للصندوق، يجب أن تقر موازنة 2018».
وتابع قائلاً: «الصندوق لديه رؤية بشأن الموازنة، منها تحديد سقف الإنفاق، بكونه يعكف على إعداد خطة (الاستدامة المالية) بعيدة الأجل للعراق، تتضمن توجهين الأول؛ التصدي لأي هبوط في الإيرادات سواء كانت نفطية أم غير النفطية، فيما يتضمن التوجه الثاني التصدي لأي تراكمٍ للديون».
رؤية صندوق النقد الدولي تجبر الحكومة على «التقيّد بالصرف»، بعد أن تعرض العراق إلى أزمة مالية منذ عام 2014، ترتبت على إثرها ديون داخلية وخارجية، يجب سدادها على المستوى البعيد، الأمر الذي يحتاج إلى استدامة مالية، تعتمد على سقفٍ محددٍ للنفقات.
وأشار صالح إلى إن «هناك حاضنة مالية دولية تحمي العراق، كما التحالف الدولي (العسكري) الذي قدم مساعدة للعراق»، مشدداً على أهمية أن «لا يفقد العراق احترام المجتمع الدولي لنا، من خلال مطالب لا تؤدي إلى نتيجة، إضافة إلى أمر آخر مهم، هو مؤتمر الكويت، كيف يمكن للعراق أن يذهب إلى المؤتمر ويتفاهم مع الدول المانحة وهو لم يتمكن من إقرار موازنته؟ هذه إشارة سلبية جداً، ولهذا يجب أن تتم المصادقة على الموازنة قبل مؤتمر الكويت».
واعتمدت الحكومة في مشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2018، سعر برميل النفط بواقع 46 دولاراً للبرميل، فيما يبلغ السعر الحالي نحو 70 دولاراً، فأين يذهب هذا الفارق؟
وأجاب المستشار المالي للعبادي عن هذا التساؤل قائلاً: «هناك مشاريع في الموازنة معلقة على التمويل، والأموال المتوفرة من فرق سعر البرميل يمكن أن تشغل هذه المشاريع، فضلاً عن إن الحكومة لن تحتاج إلى الاقتراض لتعويض العجز في الموازنة».
وتابع «في حال استقر سعر النفط بنحو 54 دولاراً للبرميل، مقابل طاقة تصديرية تبلغ نحو 3 ملايين و800 ألف برميل ـ كما مثبت في الموازنة، فإن ذلك يمكنه أن يسد العجز».