بقلم: الدكتور اسماعيل الجنابي
لا شك أنّ الدين الإسلاميّ دين توسّط واعتدال لا تشديد فيه ، ولا إفراط ولا تفريط، ولا غلو فيه ولا جفاء وشريعته خاتمة الأديان والشرائع السماوية المنزّلة من الله للناس جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها التي حمل دعوة الاعتدال فيها ، أشرف المرسلين نبينا محمد “عليه الصلاة والسلام” للقويّ والضعيف ، وللذكر والأنثى، وللغني والفقير، وللمريض والصحيح ، أما في السياسة فإن دستورها الوضعي فن الممكن فهناك أشياء ثابتة لا يمكن التخلي أو التنازل عنها مهما بلغت التضحيات التي تبنى على قواعد الحق والعدل والثابت في السياسة هو المتغير الذي لا يكون فيه الإنسان ليناً حد الاعتصار الذي لا يفقده التخلي عن المبادئ ولا يابساً حد الكسر ليخسر مابناه من أجل خدمة المجتمع.
لقد تابعنا خطاب رئيس السلطة التشريعية المقال “محمد الحلبوسي” الذي نكن له الاحترام يوم أمس على إحدى شاشات التلفاز والعلامة الفارقة التي اعتلت خطابه المتشدد على شركاءه السياسيين ، سواء على رئيس الوزراء السوداني وعلى حكومة الاقليم وهذا ما يؤكد لنا السياسة المتغيرة في مواقفه بين الأمس واليوم لدرجة اطلاق رصاصة الرحمة على مستقبله السياسي الذي سينعكس مستقبلاً على حزب تقدم الذي يتزعمه وفي الاتجاه الآخر نجد أن خطاب زعيم حزب السيادة الشيخ “خميس الخنجر” المعتدل منذ أن حط اقدامه في الملعب السياسي الذي مكنه من الوقوف على مسافة واحدة من جميع أقطاب العملية السياسية في العراق بالشكل والمفهوم الذي جعله يحظى بالقبول الشعبي الذي تطمح إليه الجماهير المتعطشة لخروج العراق من عنق الزجاجة الذي عاش تحت خنقته لأكثر من عقدين ونيف من الزمن .
ان سياسة الخنجر تختلف تماماً عن سياسة الحلبوسي ، فالأول نهج سياسة الاعتدال التي مكنته من السعي الجاد وراء إعادة الحقوق لمظلومية الذين ترنو عيونهم نحو الإنصاف والثاني نهج سياسة التشدد التي افقدته رئاسة البرلمان الذي هو حصة الجمهور السني وفق المعادلة السياسية وتوازناتها ، يضاف الى ذلك الفراغ الكبير الذي تركه بعد قرار اقالته ، الأمر الذي خلف فراغاً سيادياً كان يمثل توازناً كبيراً للمكون السني داخل العملية السياسية ، بدليل أن هذا الفراغ استغل من قبل المكون الشيعي في اتخاذ القرارات المصيرية بسبب غياب التوافق في اختيار البديل عنه ، رغم تقديم حزب السيادة لمرشح يحظى بالقبول من قبل معظم النواب السنة داخل البرلمان وبهذا التشدد خسر الجمهور السني استحقاقاً كبيراً و بيضة قبان لا يمكن المجازفة بها لو كان الاعتدال سيد الموقف.
قد أفرزت السنوات الأخيرة أشكالا مفزعة جعلت الكثير من الناس يتخوفون من مستقبل هذا الصراع السياسي ذات المكاسب الشخصية الضيقة على حساب هموم الناس ومعاناتهم وانعكاسه على استرداد الحقوق التي طال انتظارها والتي نادى بها الشيخ خميس الخنجر في حراكه السياسي مع شركائه السياسيين بوجه عام و خطاباته ولقاءاته المتكررة أمام الجمهور السني الذي بات يعقد الأمل على نجاح مشروعه الذي يمثل حجر الأساس لمستقبل حزبه السياسي الذي يقود ركبه نحو ضفة الأمان التي تمكنه من إعادة النصاب لأصحاب الحقوق سواء ما يتعلق بقانون العفو العام وملف المغيبين وتعويض من اذتهم القرارات التعسفية التي رافقت عمليات التحرير في المحافظات السنية وما رافقها من سياسات الظلم والقهر ضمن فترة تنظيم داعش والمليشيات الخارجة عن القانون التي . اثارت القلق والتي من المفترض ان يقتضي استحضار الجانب المشرق والإنساني من ثقافتنا الإسلامية وجعله أساسا مقدسا ترتكز عليه أحكامنا المستنبطة وفتاوانا الشرعية التي تدعو الى العدل والإنصاف والمساواة بين الناس.
ومسك ختامناً نستذكر قول الله تعالى قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً )
طوبى لمن سار بين الناس حاملاً غصن الاعتدال … وأسفاً لم كان يكابر بين الناس بلسان التشدد الذي يظلم العباد ويفقد حقوقهم .