على الرغم من التحديات الأمنية والاقتصادية الناجمة عن الحرب، تجري الأردن أول انتخابات لها منذ صياغة خطة التحديث في عام 2021.
في العاشر من أيلول/سبتمبر، سيتوجه الأردنيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس النواب العشرين للمملكة. وتُجرى الانتخابات في ظل حرب غزة، وهي الأولى التي تتم وفقاً للخطة التي صاغتها “اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية” في عام 2021. وفي الواقع، إن إحدى السمات البارزة لهذه الانتخابات هي التوتر المتأصل بين النهج الأردني التقليدي الحذر الذي يركز على الأمن في إدارة الأزمات والاستثمار السياسي للعاهل الأردني في خطة التحديث.
الواقع غير المستقر
أثرت حرب غزة بشكل كبير على الأردن. ومنذ البداية، خرج العديد من المواطنين إلى الشوارع، وكثيراً ما عرض المتظاهرون رموز “حماس” وأعربوا عن دعمهم للحركة، مما يعكس حقيقة مفادها أن 66٪ من المستجيبين الأردنيين لاستطلاع للرأي أُجري في أواخر العام الماضي، أيدوا الهجوم الذي وقع في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وقد وفرت هذه الاحتجاجات منصة للأحزاب المعارضة – وأبرزها الفصائل الإسلامية – للتعبير عن رسائل مناهضة للحكومة تستهدف معاهدة السلام والعلاقات الاقتصادية بين المملكة وإسرائيل، وتطالب باستئناف الاتصالات الرسمية مع “حماس”، التي تم حظرها فعلياً منذ طرد المملكة لقادة الحركة في عام 1999. وقد أثار قرار الحكومة بالسماح بهذه الاحتجاجات قلق الأوساط المحافظة في الأردن. وعلى الرغم من تراجع الاحتجاجات إلى حد كبير، إلا أنها لا تزال تشتعل من حين لآخر رداً على التطورات في غزة.
كما فاقمت الحرب التحديات الأمنية، حيث برزت إيران كتهديد كبير لاستقرار المملكة. ولطالما اعتبرت المؤسسة العسكرية والأمنية في الأردن إيران ووكلاؤها تحدياً للمؤسسة العسكرية والأمنية، وقد ضاعفوا جهودهم لزعزعة الاستقرار، خاصة من خلال تهريب واسع النطاق للمخدرات والأسلحة من سوريا، ولكن أيضاً من خلال الحملات الإعلامية التي تهدف إلى تشويه شرعية المملكة.
لقد أثرت الحرب على اقتصاد الأردن أيضاً. فالبلاد تعاني بالفعل من ضعف هيكلي ولم تتعافَ تماماً من تأثير جائحة “كوفيد-19″، وقد تضررت قطاعات رئيسية جراء أزمة غزة. على سبيل المثال، انخفض عدد السياح بنسبة 10٪ في الربع الأول من هذا العام، بينما انخفض عدد الحاويات التي تم التعامل معها في العقبة، الميناء الوحيد في الأردن، بنسبة 20٪ بسبب استهداف الحوثيين للشحن في البحر الأحمر.
وقد تأثر الشباب بشكل خاص بالظروف الاقتصادية، حيث بلغ معدل البطالة بين الشباب 46.1٪ في عام 2023. وهذا يعتبر مهماً نظراً لأن حوالي 45٪ من الناخبين هم دون سن الخامسة والثلاثين، ومن بينهم حوالي 600,000 ناخب للمرة الأولى.
خطط طموحة
وقد تم تصوّر هذه الانتخابات على أنها دليل على جدية التحديث السياسي في الأردن، خاصة وسط الشكوك المستمرة الناجمة عن تاريخ المملكة من جهود الإصلاح السياسي الفاشلة. ومع ذلك، أدت التحديات التي فرضتها حرب غزة إلى مناقشات عامة حول تأجيل الانتخابات. وكان القرار بالمضي قدماً مقصوداً جزئياً بإظهار الثقة والاستقرار، ولكنه يعكس بشكل أساسي الاستثمار في عملية التحديث السياسي من قبل الملك عبد الله الثاني، الذي وصف الانتخابات بأنها “حلقة رئيسية في تاريخ الحياة البرلمانية الأردنية”.
وتمت صياغة خطة التحديث السياسي من قبل “اللجنة الملكية” المكونة من اثنين وتسعين عضواً، والتي كُلِّفت باقتراح “إطار تشريعي يضع الأسس لحياة سياسية حزبية نشطة”، مما يؤدي في النهاية إلى حكومات قائمة على مجلس النواب. وفي بلد يعاني من تحديات اقتصادية ومحاط بعدم استقرار إقليمي، ترتأي الخطة أن الحياة البرلمانية القوية هي ركيزة الاستقرار.
وعلى وجه التحديد، تتصور الخطة عملية تدريجية تمتد عبر ثلاث دورات انتخابية تنتهي ببرلمان يضم ما لا يقل عن 65 في المائة من أعضاء الأحزاب السياسية. كما تقترح إجراءات لزيادة مشاركة الشباب والنساء والأقليات، وتقدم اقتراحات تتعلق بالحكم المحلي. ويعكس إقرار مجلس النواب – المنتهية ولايته – وبسرعة لقوانين جديدة تتعلق بالانتخابات والأحزاب السياسية في عام 2022 الأولوية التي أعطاها الديوان الملكي لهذه التغييرات. وتشمل بعض التغييرات الرئيسية إنشاء نظام هجين يجمع بين القائمة الوطنية وقوائم الدوائر الانتخابية، وخفض الحد الأدنى لسن المرشحين إلى خمسة وعشرين عاماً، وإضافة مقاعد إلزامية للنساء والشباب في قوائم الأحزاب.
وتمثل انتخابات الأسبوع المقبل المرحلة الأولى من الخطة، حيث يتم تخصيص 30٪ من المقاعد (41 من أصل 138) للأحزاب. وفي الواقع، يُعد تنشيط الأحزاب السياسية أحد الركائز الأساسية لهذه الرؤية.
مشهد حزبي مزدحم
تم حظر الأحزاب السياسية في الأردن في عام 1957 بعد أن أسفرت انتخابات العام الذي سبق عن برلمان وحكومة مرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالرئيس المصري جمال عبد الناصر، واعتمدا سياسات تحدّت سلطة العاهل الأردني بشكل مباشر. وفي حين استمرت الأحزاب في العمل سراً، كانت عضويتها وتأثيرها محدودين. ولم يشمل الحظر جماعة “الإخوان المسلمين”، التي عملت كجمعية خيرية وليست حزباً. وقد تم رفع الحظر في عام 1992، لكن الأحزاب ظلت ضعيفة وغير مؤثرة بشكل كبير في الحياة السياسية الأردنية.
وأثارت خطة التحديث السياسي لعام 2021 ظهور العديد من الفصائل الجديدة، حيث أن واحداً وثلاثين من أصل ثمانية وثلاثين حزباً مسجلاً يتقدمون بمرشحين في هذه الانتخابات. ويمكن تصنيف هذه الأحزاب بشكل تقريبي إلى ثلاث فئات:
- الإسلاميون: تهيمن عليهم “جبهة العمل الإسلامي”، التي تأسست كذراع سياسي لجماعة “الإخوان المسلمين” في عام 1992. وعلى الرغم من الانقسامات والانشقاقات، تظل “جبهة العمل الإسلامي” الحزب الأكثر رسوخاً والأفضل تنظيماً في الأردن، وهيمنت على المشهد السياسي منذ استئناف الانتخابات في عام 1989، على الرغم من تراجع نفوذها في السنوات الأخيرة.
- الأحزاب اليسارية: هي مزيج من الفصائل الاشتراكية والقومية العربية، وكثير منها امتدادات لأحزاب وحركات عربية عابرة للحدود الوطنية شوهدت في بلدان أخرى، وتستفيد من كونها من العناصر المألوفة في السياسة الأردنية لكنها تتبنى أيديولوجيات يعتبرها الكثيرون قديمة.
- الأحزاب المحافظة التي تتبنى التوجه المؤسسي، وهي ليست جديدة في السياسة الأردنية؛ فقد تم إجراء محاولات سابقة لإنشائها في تسعينيات القرن العشرين. ولكن في الماضي، كان معظم أعضاء هذه المجموعة – الذين يميلون إلى أن يكونوا مسؤولين حكوميين سابقين وشخصيات قبلية – يترشحون عادةً كمستقلين. ومنذ إقرار القوانين الجديدة المتعلقة بالأحزاب والانتخابات، قام هؤلاء المرشحون بتشكيل أحزاب سياسية، وتشكل هذه الفصائل الآن غالبية الأحزاب المسجلة حديثاً. ولا تزال العديد منها تعتمد على الشخصيات القيادية وتكافح لجذب الأعضاء وإنشاء آليات حزبية فعّالة وهويات سياسية مميزة.
وتتنافس جميع هذه الأحزاب على أصوات ناخبين يشككون بشدة (في النظام السياسي). وفي استطلاع للرأي أجري في شباط/فبراير الماضي، أعرب 34٪ فقط من المشاركين عن ثقتهم العالية أو المتوسطة في مجلس النواب، و31٪ فقط في الأحزاب السياسية.
ما يجب ترقّبه
إلى جانب المؤشرات التقليدية المرتبطة بأي انتخابات – مثل نسبة المشاركة (التي كانت ضعيفة بنسبة 29.9٪ في عام 2020) والانتهاكات الانتخابية – هناك متغيرات فريدة من نوعها في هذه الانتخابات. والسؤال الرئيسي يتعلق بـ “جبهة العمل الإسلامي”. ويدّعي بعض المسؤولين في أحاديث خاصة أن حرب غزة لم تزد من شعبية الحزب بشكل كبير، ومع ذلك من الواضح أيضاً أن “جبهة العمل الإسلامي” كانت أكثر وضوحاً وجرأة بسبب الحرب. ومن المرجح أن يُنبّئ الأداء القوي للإسلاميين بتوترات مستقبلية، مما لا يشير فقط إلى زيادة الدعم الشعبي لـ “جبهة العمل الإسلامي”، بل إلى قرار الحزب بإظهار قوته أيضاً. ومن المحتمل أن تعمل مثل هذه النتيجة على تعزيز الأصوات المحافظة التي تطالب بنهج أقل تسامحاً في التعامل مع التحديث السياسي.
وفي المقابل، فإن الأداء الإسلامي المتواضع قد يشير إما إلى أن الحرب لم تغير الخريطة السياسية في الأردن أو أن “جبهة العمل الإسلامي” اختارت عدم مواجهة النظام. وفي كلتا الحالتين، من شأن ذلك أن يمنح النظام ثقة أكبر للمضي قدماً في الإصلاحات.
وهناك سؤال آخر مهم يتعلق بأداء الأحزاب المؤيدة للنظام. من بين جميع الكتل السياسية، هذه الكتلة هي الأحدث والأقل تحديداً من حيث قوتها ودينامياتها الداخلية. إن قدرة الكتلة على حشد الأصوات والاندماج في عدد قابل للإدارة من الأحزاب سوف تساعد في توضيح الخريطة السياسية الأردنية وطمأنة المتشككين – وخاصة مراكز القوة في البيروقراطية والمؤسسة الأمنية والقبائل – الذين عبّروا عن مخاوفهم بشأن وتيرة التحديث السياسي واتجاهه.
التداعيات على السياسة الأمريكية
على الرغم من أهمية التأكيد على الحاجة إلى انتخابات حرة ونزيهة، فمن المهم أيضاً لواشنطن أن تقر بأن إجراء الانتخابات في مثل هذا الوقت المتوتر هو خطوة إيجابية. ولن تغير النتائج السياسة الخارجية الأردنية أو الموقف الأمني للبلاد، اللذين يقعان خارج نطاق السلطة التشريعية. ولكنها ستوفر مؤشراً مهماً لحالة السياسة الداخلية في هذا الحليف الإقليمي المهم.
وفي حين أن بعض التصريحات الرسمية بشأن حرب غزة اتجهت بشكل قوي نحو الشعبوية، إلا أن الأردن تمكّن إلى حد كبير من موازنة الغضب الشعبي واستغلال هذا الغضب سياسياً مع التزاماته في مجال السياسة الخارجية تجاه الولايات المتحدة والحلفاء الرئيسيين. وكان أبرز مظاهر هذا الالتزام (ولكن ليس الوحيد بأي حال من الأحوال) هو الدور الذي لعبته المملكة في مساعدة الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لاعتراض القذائف الإيرانية التي أُطلقت على إسرائيل في نيسان/أبريل، وهي العملية الدفاعية التي أُجريت تحت مظلة “القيادة المركزية الأمريكية”. وإذا أظهرت نتائج الانتخابات الأسبوع المقبل علامات على استياء شعبي أعمق، فقد تحتاج واشنطن وحلفاؤها إلى دراسة أدوات سياسية وعسكرية واقتصادية إضافية للمساعدة في الحفاظ على استقرار الأردن وأمنه.
غيث العمري هو زميل أقدم في “مؤسسة جيلبرت” في معهد واشنطن.