بدأ الجيش الفرنسي منذ الأحد الماضي وحتى 11 من الشهر الجاري مناورات عسكرية باسم “أوريون” جنوب البلاد تعتبر الأضخم من نوعها، وتتزامن والتطورات التي يشهدها العالم، ومنها الحرب الروسية ضد أوكرانيا، ثم ارتفاع التواجد العسكري لدول كبرى غرب البحر الأبيض المتوسط.
وقدمت وزارة الدفاع الفرنسية معطيات حول هذه المناورات، التي تعتبر الأضخم من نوعها خلال الثلاثين سنة الأخيرة، أي منذ المناورات التي جرت بعد حرب العراق الأولى سنة 1991. ويشارك في هذه المناورات سبعة آلاف جندي من مختلف الشعب العسكرية البرية والبحرية والجوية، علاوة على مختلف خبراء التحليل الاستراتيجي الاستخباراتي الميداني، وتجري أساسا في المنطقة الممتدة بين برزير مونبوليي بما فيها الشواطئ. وتتضمن المناورات العسكرية إنزال دبابات وهجمات بالطائرات المقاتلة رافال والمروحية وعمليات تسلل كوماندو واستعمال عشرات السفن الحربية ومنها حاملة الطائرات شارل ديغول.
تعتبر هذه المناورات الأضخم من نوعها خلال الثلاثين سنة الماضية، أي منذ المناورات التي جرت بعد حرب العراق الأولى في 1991
ويحاكي سيناريو المناورات مواجهة جيش كلاسيكي أو تقليدي وليس جماعات مسلحة إرهابية، وسيكون الجزء الثاني من المناورات ما بين أبريل ومايو المقبلين في شمال شرق البلاد، بمشاركة 12 ألف جندي ومئات المعدات العسكرية. وتؤكد وزارة الدفاع الفرنسية أن الهدف هو إجراء مناورات تكون أقرب إلى الواقع وليس مجرد تدريبات عادية.
وتركز مناورات أوريون الحالية على جنوب البلاد، أي مصدر خطر قادم من البحر المتوسط، وهي المنطقة التي تشهد توترات بسبب ارتفاع النفوذ التركي ثم اهتمام متزايد من طرف الصين وروسيا بالمنطقة. في حين تعني المناورات شمال شرق البلاد التطورات التي قد تترتب عنها الحرب الروسية ضد أوكرانيا وشبح توسعها نحو أوروبا، وتبقى الجبهة الجنوبية، الحدود مع إسبانيا هادئة، بينما الواجهة الأطلسية توجد الدولة الحليفة بريطانيا رغم ارتفاع نشاط الطائرات والسفن العسكرية الروسية خلال السنوات الأخيرة في هذه الواجهة.
ويبقى الملفت في هذا هو قيام فرنسا بمناورات مشتركة سواء داخل الحلف الأطلسي أو بين الدول الأوروبية، وعندما تقوم بمناورات فردية تكون جدا محدودة أو تتعلق بمواجهة عمليات الإرهابية. غير أن هذه المرة، يعتمد الجيش الفرنسي على قدراته الذاتية في المجال الحربي بدون الاستعانة بقوات أطلسية أو بعض الدول الأوروبية. والملفت كذلك أن الجيش الفرنسي قرر إجراء هذه المناورات الفردية كل ثلاث سنوات لجعل القوات العسكرية في حالة تأهب قصوى.
تكشف هذه المناورات اعتماد الجيش الفرنسي على القدرات الذاتية في ظل التوتر الذي يشهده الحلف الأطلسي بين الدول الأعضاء
وتكشف هذه المناورات اعتماد الجيش الفرنسي على القدرات الذاتية في ظل التوتر الذي يشهده الحلف الأطلسي بين الدول الأعضاء منذ سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ثم في ظل فشل الدول الأوروبية في تبني عقيدة عسكرية موحدة والرهان على صناعة عسكرية موحدة كذلك. وتعد فرنسا الدولة الأوروبية الأكثر إلحاحا على صناعة عسكرية مشتركة في أوروبا وكذلك بناء قوات عسكرية أوروبية شبه مستقلة عن الحلف الأطلسي، لكن فشلت في هذه المساعي بسبب انحياز دول أوروبية الى الولايات المتحدة، بينما كانت ألمانيا مترددة في اتخاذ خطوات عسكرية جريئة.