صدر في العاصمة الأردنية عمان عن دار زهران للنشر كتاب التحولات الإقليمية والدولية وأثرها في الأمن القومي العربي، لمؤلفه الدكتور حارث دوهان مستشار الأمانة العامة لاتحاد الجامعات العربية، ويمثل هذا الكتاب المولود السادس للمؤلف، وتنبع أهمية الكتاب من كونه جاء في فترة حرجة يتعرض فيها الأمن القومي العربي لتهديدات كبيرة أفرزتها معطيات جمة، لعبت التحولات السياسية والأمنية الإقليمية والدولية دوراً في التوتر الحاصل بيـــن القاطنيـــن في الوطن العربي والدول المجاورة بعد أن دخلــــت المنطقة العربية عموماً فـــي حالة مـن القلــق الدائــــم منــذ مطلع العقد الثامن من القرن العشرين، حيث أخذت هذه التحولات تطل بعنـــوة علــى تفاعـــلات الأحداث التي تجري فـــي العلاقات الداخلية بين الدول العربية، وفيما بينها وبين دول الجوار، الأمر الذي ترك آثاراً مدمرة على الأمن القومي العربي.
لقد أفرزت تلك التحولات (الإقليمية والدولية) عن نتائج لم يكن لشعوب المنطقة العربية دوراً فيها بعد نجاح الانقلاب العسكري في تركيا على يد الجنرال كنعان إيفرن في أيلول 1980، ومن قبل ذلك اندلاع الثورة الإيرانية عام 1978، وسقوط نظام شاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1979، تلك الثورة التي تم الإعجاب الحذر بها والتقدير المخيف منها، على الرغم من أن الثورة الإيرانية حققت أمراً جلياً تمثل بإسقاط الشاه الذي كان يعد من أقـوى الدكتاتوريين في زمانه، وكان مسانداً لإسرائيل عدو العرب والمسلمين. ولم يكن أعجاب أبناء المنطقة بطابع الثورة الإسلامية في إيران كافياً لتحقق الآمال المعقودة لحل المشكلات الإقليمية التي كانت قائمة في عهد الشاه، إذ أن غمرة الإحساس بالإعجاب لم تدم سوى مدة قصيرة غابت فيها حقيقة أن الثورة قد أوصلت إلى الحكم نظاماً يختلف عن أنظمة الحكم القائمة في المنطقة، ومما زاد من الإحساس بحدة هذه المشكلة، طبيعة التركيبة المذهبية للغالبية العظمى من سكان الدول العربية، يقابلها الغالبية المذهبية المختلفة للسكان في إيران، الأمر الذي أوجد تهديداً كبيراً زادت حدته جراء صعود الإسلام السياسي في المنطقة، واجتمع السببان ليُظهرا أن الثورة الإيرانية باتت تشكل تحدياً واجهته أغلب الدول العربية سواء في المشرق العربي أو الخليج العربي أو المغرب العربي، جراء التوجهات التي جاءت بها أولويـــــات قادة هـــذه الثورة.
وبعد مرور ثلاثة عقود من الظروف الاستثنائية لجميع الدول العربية، شهد عدد من الدول العربية خلال السنوات 2010- 2019، صاحبها عدد من التحولات الإقليمية والدولية التي كان لها أثر كبير في بيئة الأمن في النظام الإقليمي العربي، كونها لم تكن مألوفة خلال المراحل التاريخية السابقة منذ المنعطفات الإستراتيجية التي لعبت دوراً كبيراً في قيام النظام الإقليمي في الشرق الأوسط حينما تقاسمت فرنسا وبريطانيا ممتلكات الدولة العثمانية، فانهار هذا النظام سريعاً مع بوادر هذه المتغيرات التي بدأت بسقوط النظام العراقي عام 2003، وصولاً إلى ثورات الربيع العربي التي تهاوت جراءها عدد من أنظمة الحكم، وصعود الفاعلين المحليين من غير الدول وأخذهم زمام المبادرة في المقدرات السياسية لعدد من دول المنطقة، كحركة الأخوان المسلمين في تونس ومصر وليبيا، وحركة أنصار الله الحوثية في اليمن، وما تبعها من تداعيات أفرزتها ظروف المنطقة كالأزمة السورية وتنامي ظاهرة الإرهاب.
وقد عُـدّت هذه التحولات الدولية والإقليمية نتيجة طبيعية لتضارب التوجهات الإستراتيجية تجاه قضايا المنطقة العربية التي تعد بالغة الحيوية للمصالح الدولية، إذ إن التدفق الكثيف للنفط وبأسعاره السائدة خلال هذه الفترة أحدث تلك التحولات، وخلق أوضاعاً جديدة تمثلت بنمو التطلعات لدى بعض الأطراف الإقليمية كالمشاريع الإقليمية لدول الجوار العربي في القارة الآسيوية تجاه منطقة الشرق الأوسط عامة والمنطقة العربية خاصة، مثل: المشروع الإستراتيجي الإيراني، والمشروع الإستراتيجي التركي، والمشروع الإسرائيلي، هذه المشاريع التي لم تكن مريحة بالنسبة للقوى الكبرى في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي اتبعت أدوات مختلفة لتنفيذ إستراتيجيتها في النظام الدولي الذي قام بعد انتهاء الحرب الباردة، مثل استخدام القوات المسلحة في مواجهة سياسات بعض دول المنطقة كالصومال والعراق وإيران وتركيا، فضلاً عن تمسكها بمواقف الكيان الإسرائيلي الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية والسورية، كما سعت الولايات المتحدة الأمريكية منع فرض أية تغيرات في بنية النظام الإقليمي العربي، والسيطرة والتحكم في برامج التسلح الإقليمي، والتنظيم الدفاعي والأمني، وربط المنطقة بالاقتصاد العالمي، ثم ضمان أمن إسرائيل ودمجها في إقليم الشرق الأوسط.