بقلم :الدكتور سعد شاكر شبلي
ينبأ اشتعال فتيل أزمة الصحراء الغربية من جديد، بعودة النزاع المغربي الجزائري الذي بقي راكداً لعدة سنوات، حيث جاء إعلان وزارة الخارجية المغربية، صباح يوم الجمعة 13/11/2020، ليشير إلى إطلاق المغرب، عملية أمنية في منطقة الكركرات العازلة، الأمر الذي اعتبرتها جبهة البوليساريو نهاية لوقف إطلاق النار المعمول به بين الطرفين منذ ثلاثين عاما. وأثارت العملية حفيظة دول إقليمية.
ويبدو أن هذه العملية تأتي بعد إقفال أعضاء من جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) منذ 21/10/2020، الطريق الذي تمر منه، شاحنات نقل بضائع من المغرب نحو موريتانيا وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
الصحراء الغربية هي المنطقة المتنازع عليها من قبل جبهة البوليساريو المدعومة من قبل الجزائر بشكل مباشر من جهة، والمملكة المغربية من جهة أخرى ، تقعُ في المغرب العربي – الذي يُعرف أيضًا باسمِ المغرب الكبير – وتحديدًا في منطقة شمال أفريقيا حيث يُسيطر المغرب على جزء كبير منها؛ فيما تَعتبرها دول أخرى منطقة مُستعمَرة وتسعى الأمم المتحدة لإيجِادِ حلٍ لها.
شهدت الصحراء الغربية في القرون الوسطى توالي الهجرات العربية خلال الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر. فوصلت إليها قبائل من بني حسان وبني هلال عن طريق مصر وتغلغلت بواسطة سيطرتها في منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب ومجمل أراضي موريتانيا. وبفضل شدتها تزايد نفوذها وطبعت المنطقة بطابعها العربي الإسلامي المميز.
وعرف الصحراويين قديما بنظامهم المتميز والمتمثل في مجلس ايت أربعين، بمعنى حكم الأربعين، وهو عبارة عن مجلس لأعيان القبائل تتم العضوية فيه على أساس الترشيح القبلي ورئاسته متداولة بين الأعضاء، وتصدر قراراته بالإجماع طبقا للأعراف والتقاليد وعلى قاعدة الشريعة الإسلامية.
تضم السلطة العليا لأيت أربعين وجهاء الأعيان من كل القبائل الذين يتم تفويضهم لتمثيلها. ويقوم المجلس بسن القوانين الملزمة للجميع ويسهر على الدفاع عن الوطن، تأمين المراعي، حضانة أبار المياه، الحفاظ على ألاماكن الصالحة للحرث والإشراف على توزيعها وحدود التماس مع الجيران. كما أنه مفوض للتفاوض باسم القبائل.
وقد تختلف التأويلات لمعنى الاسم ( ايت أربعين ) أو مجلس الأربعين كما يسميه البعض، فهناك من يرى أن الاسم يدل على عدد الأعضاء حيث أنه كان يتكون من أربعين عضوا. وهناك من يرى أن كلمة أربعين مرتبطة بعمر العضو حيث لا تمكن العضوية في المجلس إلا بعد بلوغ سن الأربعين.
وبالرغم من صعوبة الظروف الطبيعية وتخلف وسائل الحياة عموما، قاوم الشعب الصحراوي العديد من المحاولات الأجنبية التي سببها الطمع في القوافل التجارية قديما والبحث عن مواقع استراتيجية على شوا طي أفريقيا التي اتجهت إليها الأنظار بعد النهضة الأوروبية ونظرا للأهمية الاستراتيجية للصحراء الغربية والمتمثلة في :
- موقع جغرافي يربط قارة إفريقيا بأوروبا.
- قربها من جزر الكناري الاسبانية.
- شوا طي غنية بمختلف أنواع الأسماك.
- قنطرة عبور للقوافل التجارية شمالاً وجنوباً.
وفي التاريخ الحديث وبعد استقلال دول المغرب العربي خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، أصبحت الصحراء الغربية مطمع لعدد من القوى الدولية والإقليمية، حيث يحدها من جهة الشمال دولة المغرب بينما تحدها الجزائر من الجهة الشرقية، ثم موريتانيا من الجهة الجنوبية فالمحيط الأطلسي من الغرب، وتبلغ مساحتها حوالي 266,000 كيلومتر مربع 103,000 ميل، وهي واحدة من “الدول” الأقل كثافة سكانية في العالم حيث تتكون أساساً من صحراء مستوية إلا أن عدد سكانها يتجاوز الـ 500.000، 40% منهم يعيشون في مدينة العيون كبرى مدن الصحراء الغربية.
لقد مرت قضية الصحراء الغربية بمراحل متعددة لعل من أبرزها:
- تم احتلال الصحراء الغربية من قبلإسبانيا حتى أواخر القرن العشرين، وهي اليوم ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المحكومة ذاتيا وذلك منذ عام 1963 بعدما قدم المغرب طلبا بهذا الخصوص.
- أصدرتالجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الأول بشأن الصحراء الغربية في عام 1965، حيث سائلت فيه إسبانيا حول ملكية الإقليم. وبعد عام واحد، تم إصدار قرار جديد من الجمعية العامة تطلب فيه إجراء استفتاء عُقد في إسبانيا من أجل تقرير مصير المنطقة.
- وفي عام 1975، تخلت إسبانيا عن الرقابة الإدارية للإقليم ثم منحت هذه الرقابة لإدارة مشتركة من قبل المغرب (الذي ادعى أن الإقليم تابع رسميا له منذ عام 1957)،وموريتانيا.
- اندلعت الحرب فيها عام 1975 بين قوات دول المنطقة اشترك فيها مقاتلين من المملكة المغربية والجزائر وموريتانيا.
- قام نظام الرئيس الليبي معمر القذافي بتقديم الدعم لفصائل عسكرية صحرواية بالتنسيق مع الجزائر، حول ملكية المنطقة.
- تأسست عام 1975 في الصحراء الغربية حركة قومية صحراوية عرفت بجبهة البوليساريو والتي أعلنت في وقت لاحق عن تأسيسها الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وشكلت حكومتها في المنفى في تندوف بالجزائر.
- انسحبت موريتانيا من الصحراء الغربية عام 1979، ليُسيطر المغرب فعليا على معظم مساحة الصحراء الغربية.
- تنظر الأمم المتحدة إلى جبهة البوليساريو على انها الممثل الشرعي للشعب الصحراوي، وتطالب المنظمة من السلطات في المغرب بضرورة تركحق تقرير المصير للصحراويين أنفسهم.
- رعتالأمم المتحدة اتفاق وقف إطلاق النار في عام 1991، وكانت قد نشرت تقريرها الذي أكدت فيه أن ثلثي الأراضي (بما في ذلك معظم الساحل الأطلسي -الجزء الوحيد من الساحل خارج الجدار الرملي في أقصى الجنوب- بالإضافة إلى جزيرة رأس نواذيبو).
- تُدار من قبل الحكومة المغربية التي تحصل على دعم ضمني من فرنسا والولايات المتحدة، أما الثلث المتبقي فيُدار من قبل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم البوليساريو .
من الناحية الدولية، اتخذت بعض الدول موقفاً غامضاً في قضية الصحراء مثل روسيا التي تقول إن موقفها محايد وتدعم الطرفين معا؛ لكن يجب الضغط على كل الأطراف من أجل الوصول لاتفاق وحل سلمي.
وتجدر الإشارة إلى أن كل من المغرب وجبهة البوليساريو يسعيان إلى الحصول على اعتراف رسمي من دول أفريقيا، آسيا، أمريكا اللاتينية وباقي الدول في العالم النامي وهذا ما يُفسر تحركاتهما الكبيرة في هذا المجال وإنجاز مشاريع عديدة في دول فقيرة قصد الحصول على دعمها.
وكانت جبهة البوليساريو قد حصلت على الاعتراف الرسمي بملكيتها للمنطقة من 37 دولة مما مكنها من تمديد عضويتها في الاتحاد الأفريقي، أما المغرب فقد فاز بدعم العديد من الحكومات الأفريقية معظمها من العالم الإسلامي والبلدان ضمن جامعة الدول العربية.
منذ عام 2017 لا توجد أي دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف رسميا بسيادة المغرب على كل أجزاء الصحراء الغربية، ومع ذلك فهناك عدد من البلدان التي أعربت عن دعمها للمغرب واستعدادها في المستقبل القريب للاعتراف بملكية المغرب لتلك الأقاليم وذلك ضمن مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية. عموما فإن ضم المغرب لتلك المنطقة لم يحصل على الكثير من الاهتمام في المجتمع الدولي مقارنة بمناطق أخرى متنازع عليها (مثل ضم الاتحاد الروسي للقرم).