تتوالى التقارير عن عمليات الإبادة المنظمة التي تمارس على يد بعض قوات الحكومة والميليشيات التي ترتبط بها، ضد أهل الفلوجة، كما تتوالى أيضًا ردود الفعل الدولية ضد هذه الجرائم المنكرة. فيما يواصل مجرمو الحرب الإرهابيون من قادة الميليشيات المرتبطة بإيران إطلاق تصريحاتهم التي تحض على المزيد من عمليات الإبادة لسكان الفلوجة في سياق طائفي مقزز. وإزاء كل هذا تتخبط حكومة العبادي في مواجهة هذه الحالة فلا تستطيع الاعتراف بها ولا وقفها ولا تستطيع تجاهلها. وإن كانت فإنها لا ترتقي إلى المواقف الحازمة لوقف هذه الجريمة الشنعاء التي ترفضها جميع الأعراف والقيم الإنسانية.
ما يجري في الفلوجة الآن، يرقى إلى عمليات إلابادة الجماعية التي تستهدف المدنيين العزل، ضمن توجّه طائفي واضح ومعلن تؤكدّه تصريحات كثيرة من القادة العسكريين والسياسيين وقادة الميليشيات المنضوية تحت ما يسمّى «الحشد الشعبي»، فضلًا عن القادة المعممين المرافقين له. كما أنها خرق سافر لقواعد القانون الدولي الإنساني وفي المقدّمة منه اتفاقيات جنيف وبخاصة الاتفاقية الرابعة المتعلّقة بحماية المدنيين وقت الحرب.
إن محاربة المجاميع الإرهابية من خلال حملات عسكرية واسعة النطاق، ثمنها قتل المدنيين وتدمير مدنهم وتحويلها إلى أماكن غير قابلة للسكن مستقبلًا، في حين يتسرّب الإرهابيون إلى مناطق أخرى. لا يمكن أن تندرج إلا في إطار ما يعرف بماكينة الحرب القذرة والإبادة الوحشية، بعد حصار استمر مدة عامين، لأكثر من تسعين ألف مدني كلهم مهددون بالقتل على يد من لا يرحمهم، ويكره أن تنزل رحمة الخالق عليهم، حيث مسلسل المجازر التي تنفذها إيران ومرتزقتها التي تتمسك بسيوفها لتكمل عملية النحر الأكبر، الذي لم يرحم طفلا أو يستثني شيخا كبيرًا ولا عاجزًا ولا مريضًا، بمباركة غربية وشلل عربي وإسلامي تام.
لقد وقع أهل الفلوجة بين شقي رحى آلة عسكرية مجرمة للميليشيات الطائفية، وتنظيم داعش الإرهابي، تساندهم قوات الحكومة من جانب وطائرات أمريكا وحلفائها من جانب آخر، إن ما يحصل لأهل الفلوجة العرب المسلمين أهل البطولات والأمجاد والكرم سليلي العشائر العربية الكريمة، هول من أهوال يوم الحشر، فالجثث ملقاة في كل مكان، تختلط بأنقاض المنازل وصراخ الأطفال وعويل النساء يملأ سماء المدينة. التي لا ترى من معالمها سوى خليط من الدخان الأسود الممزوج بالجثث المتفحمة، الذي يرهب القاصي والداني.
إنها حرب تفريغ العراق من أهله العرب المسلمين الذين يمثلون الغالبية من سكانه في إطار مخطط تغيير المنطقة بأسرها لإلحاقها بإمبراطورية فارسية مجوسية جديدة تحت لافتة التشيع وحب آلِ بيت رسول الله (ص) وبخاصة سيدنا على بن أبي طالب والحسين رضي الله عنهم،ا وكلاهما بريء من كل ما رفعته إيران وأتباعها وأحزابها وعصاباتها وكهنتها وما ترفعه الآن من شعارات ورايات وما قامت وتقوم به من سياسات منافية لروح الإسلام. والذي لا يمت بأي صلة إلى أهلنا في الوسط والجنوب الشيعي العروبي المتبرئين من أفعالهم، إنها حرب إيران المجوسية من جديد على الإسلام. “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ” (التوبة).
جلس الحسن البصري، رضي الله عنه يعظ الناس فبكوا جميعًا، وارتفع صوتهم بالنحيب، حتى إذا ما انتهى أخذ يبحث عن “مصحفه”، وكانت المصاحف حينها نادرة، إذ لم تكن تتداول مثلما هي الحال اليوم، ولكن الرجل لم يجد مصحفه فالتفت إلى الباكين قائلًا كلمته الخالدة: كلكم يبكي فمن سرق المصحف؟! واليوم جميع القتلة يتباكون على أهل الفلوجة ومصيرهم وكأن الذي يقتلهم “طيور من سجين”.
إن معركة الفلوجة ستدق آخر مسمار في نعش العيش السلمي بين أفراد المجتمع وستعمق الشرخ بين أفراده وتؤسس لنيران ملتهبة في جغرافيتها. وتعزز الحقد والكراهية وتغذيهما بين مكونات الشعب العراقي. وهو ما يسعى إليه الغرب منذ أمد طويل لإجبار العراقيين على قبول التقسيم. ليبقى السؤال مطروحا، هل أصبح العالم العربي والإسلامي في غفلة عن المصير المرتقب.. أم أن الجسد أثقلته الجراح؟