بقلم: الدكتور اسماعيل الجنابي
بات وبما لا يقبل الشك ان اسرائيل ستعيش على المدى القريب والبعيد في هاجس الخوف والرعب تجاه عقدة شهر اكتوبر ، الذي اصبح يقض مضاجعهم ولعل هجوم 7 اكتوبر 2023 الذي قامت به كتائب القسام وحماس ، قد اعاد للاذهان احداث هذه الواقعة العظيمة بخططها العسكرية والاستخباراتية لحرب اكتوبر التي شنتها القوات العسكرية المصرية ، من خلال اسلوب المباغتة الحكيمة والعقل الميداني الذي بات يحسب في سياقات الحروب الحديثة التي سوف تكون مرجعاً في قواميس القتال .
حرب اكتوبر الاخيرة أو ما عرف بطوفان الاقصى ضد المؤسسة العسكرية والاستخبارية الاسرائيلية ، هو انتقال نوعي فريد من حيث الاسلوب الحديث لطبيعة القتال الزمني دون حصول خسائر تذكر للقوة الضاربة لفصائل المقاومة الفلسطينية ، من حيث التدبير والتخطيط والعزيمة الميدانية للقتال وهذا ما جعلها المتفوقة عسكرياً ضمن حسابات الحروب العسكرية في تاريخنا الحديث والتي باتت تعرف بحرب الصواريخ الدقيقة في اصابة ثكنات العدو في عقر داره وتشتيت قواته العسكرية التي لحقت بها هزائم كبرى ستدون وتدرس ضمن مناهج العلوم العسكرية القتالية.
ان أوجه الشبه بين فشل إسرائيل العسكري والاستخباراتي عام 1973 وفشلها عام 2023 ووقوعها في نفس الفخ مرة أُخرى ، حين قلل من رغبة أو قدرة حركة حماس على شن هجوم واسع النطاق، تماما مثلما قلل من عزيمة السادات وقدرت قواته العسكرية على دخول الحرب قبل خمسة عقود ، ولهذا تبدو التشابهات واضحة وضوح الشَمس ، من حيث الهجوم المفاجئ على إسرائيل وهي في غفلة من أمرها، وقوة عسكرية تُهاجم من الجهة الأخرى، وتوقيت يُقابل عيدا دينيا يهوديا في أول أكتوبر/ تشرين الأول، وقتلى أُخِذوا على حين غِرَّة فتفرَّقوا بحثا عن ملاجئ من القصف ثم استعدوا من أجل الحرب، يضاف الى ذلك الأخطاء الجسيمة للأجهزة الاستخباراية الاسرائيلية التي يُفتَرَض أنها من الأرفع شأنا في العالم حسب تقديرات الخبراء ، بيد أن الهجوم المُفاجئ الذي وقع في إسرائيل في بداية هذا الشهر بات أشد وطأة من ذلك الذي واجهته اسرائيل قبل خمسين عاما أثناء حرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول ، فقد تمكنت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة قتل عددا أكبر من الجيش الإسرائيليي ابان أيام الحرب الأولى ، مقارنة بعدد القتلى الذين تسبَّبت فيهم حرب مصر وسوريا على إسرائيل عام 1973، وهُما دولتان كاملتا السيادة تمتلك كلٌّ منهما جيشا وطنيا ،علاوة على ذلك فان حماس استطاعت ان تضرب أهدافا في عُمق إسرائيل، ويبدو من حجم وتعقيد الهجمات التي أصابت أهدافا عديدة وانخرط فيها آلاف المقاتلين ، ما يؤكد أن الهجوم كان قيد التخطيط طيلة أشهر إن لم يكن أطول من ذلك ، حيث من المُفترض أن يكون جمع المعلومات الاستخباراتية من غزة أسهل بالنسبة لإسرائيل، حيث تملك دولة الاحتلال بالفعل أنظمة رقابة ضخمة لا تُقارن بما استخدمته مع مصر وسوريا في مطلع السبعينيات ، ما يفسر ان اسرائيل اعتمدت أكثر من اللازم على المصادر الإلكترونية لرصد التحرُّكات في قطاع غزة ، وهذا ما دفع حماس الى اسلوب التخفي منها ، بدليل استخدامها للطائرات المُسيَّرة لتعطيل الأنظمة الإلكترونية على الحدود بين القطاع وكيان الاحتلال ، خصوصا وان الاستخبارات الإسرائيلية شُغِلَت بتهديدات متنوِّعة، ما جعل معظم قواتها التمركز قُرب الضفة الغربية قُبيَل هجوم حماس ، وهذا ما يؤكد ان المقاومة الفلسطينية قد استخدمت وسائل الخداع ، وأقنعت تل أبيب بأنها مُستعِدة للتعايش مع خطط التطبيع الإسرائيلي التي كانت جارية مع عدد من الدول العربية مؤخرا.
بيد أن الإخفاقات الاستخباراتية يمكنها أن تنبع أيضا من عدم القدرة على تخيُّل سيناريوهات مُحدَّدة وإن التشتُّت والبطء الذي ظهر في رد إسرائيل يوم 7 أكتوبر يثبت ان القادة السياسيين والعسكريين الاسرائيليين يعانون من الالتباسات النفسية ، هي نفسها التي عانت منها رئيسة الوزراء الإسرائيلية “غولدا مائير” ومستشاروها وكذلك بعض مسؤولي الحكومة الأميركية عام 1973. ففي كلتا الحالتيْن، يظهر لنا أن قادة إسرائيل أساؤوا قراءة أعدائهم العرب، وهوَّنوا بشِدة من قدرتهم على المخاطرة، وبالغوا في تقدير قدراتهم الخاصة ، على الردْع من حيث القصور الذهني الذي بات يعمي بصيرة أي جهاز استخبارات حديث، مهما كان مستوى تطوُّره وأيًّا كانت الحكومة التي يتبع لها .
اخيراً نستطيع القول ، ان اسرائيل قد خسرت الحرب مرة أخرى على غرار ما خسرته في معركة اكتوبر المصرية ما دفعها ان تنتقم بافعالها المشينة المنافية للاخلاق وقواعد الحروب باستخدام صواريخها التي تركزت على المدنيين العزل وليس على فصائل المقاومة التي اسقتطتهم في وحل الهزيمة وما استهداف المستشفيات والابراج السكنية وقطع وسائل الاتصال وعزل غزة عن العالم جعلها كثور هائج في معرض للخزف لاجل التستر على حجم خسارتها الكبيرة وربما الشيء الوحيد الذي يحسب لها وحدها هو قتل الاطفال والنساء الابرياء ودعشنة حماس وشيطنة ابناء غزة التي كان اهلها ينشدون اهزوجة الصمود ، أمام قنابل وصواريخ اسرائيل ومن ساندها في هذا العمل الاجرامي البغيض الذي تستنكره القوانين السماوية وقواعد الحياة المدنية .