بسم الله الرحمن الرحيم
اسباب الجفاف في العراق من منظور شرعي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وأصحابه ومن تبع هداه
أما بعد:فان البعض يسأل عن سبب ما حل بالعراق من جفاف ومحل ؛ فالانهار تكاد تجف ماءوها , والصحراء غبراء وحل بها المحل؟
أقول وبالله التوفيق:
ان الله جواد كريم , نعمه على البشرية لا تعد ولا تحصى, فالكفرة جعل رفاههم في هذه الحياة؛ لأنهم محرومون من جزاء الخير في الاخرة, ولكرمه لا يبخسهم فجعلهم في الدنيا يتمتعون بنعمه لأنهم خلقه, ولولا ان يرتد ضعفاء النفوس لجعل اكرامهم أكثر, قال تعالى : ( وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) الزخرف/ 33- 35 .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم–، وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدمٍ حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظاً مصبوباً، وعند رأسه أُهُب معلّقة؛ فرأى أثر الحصير في جنبه، فبكى؛ فقال: (ما يبكيك؟) فقال له: “يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله” فقال عليه الصلاة والسلام: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟) متفق عليه.
اذن المسلم ربط الله زيادة خيره ورزقه بالمزيد من التقرب اليه باتباع أوامره واجتناب مناهيه, وجعل زيادة ارزاقهم مرتبطة بالشكر له عليها قال تعالى:( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (7) ابراهيم.
والمراد بالكفر هنا كفر النعمة باستعمالها في معصيته, اذن العبادة التي هي الشكر الفعلي لله تعالى هي سبب انعامه على المسلمين.
قال تعالى منددا ما يحصل من أهل الكتاب عندما تركوا العمل بالكتب السماوية : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا۟ ٱلتَّوْرَىٰةَ وَٱلْإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا۟ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ) ﴿سورة المائدة آية ٦٦﴾.
اي القليل منهم – امة مقتصدة اي سائرون بالطريق الوسط في أعمالهم وأقوالهم واكثرهم السيئون.
وقال تعالى : ({ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ{96} أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ{97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ{98} أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{99}.) الاعراف
وقال تعالى :
(وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا ) اية 16 من سورة الجن.
وحكى الله تعالى ما قاله نوح لقومه : ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)) نوح
ويقول تعالى مانّا علينا : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ (30) تبارك
وعن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريده عن ابن عباس قال:” ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا فشت الفاحشة في قوم إلا أخذهم الله بالموت، وما طفف قوم الميزان إلا أخذهم الله بالسنين، وما منع قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء، وما جار قوم في حكم إلا كان
البأس بينهم – أظنه قال – والقتل “.
قلت: وإسناده صحيح وهو موقوف في حكم المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي وقد أخرجه الطبراني في ” المعجم الكبير ” مرفوعا من طريق أخرى: عن إسحاق ابن عبد الله بن كيسان المروزي: حدثنا أبي عن الضحاك بن مزاحم عن مجاهد وطاووس عن ابن عباس.
وغير ذلك من النصوص الشرعية التي تربط بين رزق المسلمين بالشكر لله على نعمه في الدنيا.
فان قال قائل هناك الكثير من أهل التقوى واهل الشر هم القلة فلماذا يؤاخذهم بجريرة أهل الشر؟!
أقول ان الله تعالى أراد من اهل الخير الانكار على اهل الشر وزجرهم عن ارتكاب الظلم باليد أو اللسان او القلب , لأن الساكت شيطان اخرس قال تعالى : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) الانفال
وقد أهلك – في عصر سيدنا موسى قرية فيها مفسدون قلة ,فقال: يا ربي لماذا أهلكت الجميع وفيهم الصالحون, وبينما هو يناجي ربه اذ ظهر له عند رجله غار فيه نمل, فتسلق على ساقه فقرصته واحدة, فما كان من موسى الا أن يضع يده على ساقه فخرطهم بها وقتلهم جميعا, فقال له الله: يا موسى قرصتك واحدة منهن, فلم قتلت الكل؟ فقال موسى: اني تبت اليك لا اعترض على ما تفعل.
فهل ما يجري في العراق اليوم يُرضي الله تعالى أو هو ما يدعوا الى أن يسخط عليهم ويحبس عنهم مصدر الحياة وهو الماء.
ما ينظر الله اليوم على ما يجري من المتسلطين وبيدهم زمام الحكم على هذا الشعب المظلوم المغلوب عليه على اختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم .
واليك بعض ما هو فيه:
- طائفية مزقت البلاد ودمرت العباد تأثرا بدول مجاورة.
- سجون سرية لا يعلم من فيها الا الله مع التعذيب المؤدي الى الموت أو العوق.
- مختَطَفون لا يعلم عددهم الا الله ولا يعلم مصيرهم الا الله.
- احكام جائرة نتيجة المخبر السري الطائفي الحاقد
- اغتيالات وقتول بغير حق وتصفيات.
- ابتزاز للأموال من ذوي المعتقلين, وبعد أن يبيع كل ما يملك ويدفع الفدية يُقتل من أفتدي
- شتى أنواع التعذيب على المعتقلين أو المختطفين.
- تدمير للممتلكات ومعاقبة البريء بجريرة المجرم.
- جوع وحاجة وبُئس في بلد موضوع على بحر من البترول.
- تهجير ونزوح عن أوطانهم ومساكنهم وأموالهم.
- رشوة تفشت في كل مفاصل الدولة.
- هدر في أموال الشعب ولقمة عيشهم.
- فساد اداري.
- أما الفساد المالي فحدث ولا حرج, فلا تعيين ولا تمشية معاملة في دوائر الدولة الا بدفع الرشى الا ما ندر وبأساليب شتى.
- النزيه مغضوب عليه –هذا ان لم يُقتل أو ينحى عن واجبه الرسمي.
- حبس للزكاة عن المحتاجين فان اغلب المتمولين لا يزكي نقوده أو تجارته أو مواشيه أو منتوجات مزرعته.
- انتهاك الأعراض ومداهمة المساكن.
- انتشار الخمور والمخدرات.
- اخذ الربا وحتى من يريد اعادة اعمار داره المهدم ليسكن اسرته والمفروض بالدولة أن تدفع له المبلغ منحة وعلى الأقل تدفع له القرض دون ربا ( فائدة ) .
وهذا غيض من فيض مما يجري في عراقنا الحبيب.
فكيف يجود الله عليه بالمطر ويوفر المياه؟!
وان أنزل المطر فانه ينزله سُقيا عذاب وغرق وهدم وهلاك لا سقيا رحمة والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم اجعلها سقيا رحمة ولا تجعلها سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق. والسلطة القائمة لم تتعامل مع هذه الامطار الغزيرة بوسائل التصريف.
ولا علاج لذلك الا أن يهيء الله تعالى سلطة نزيهة وطنية همها الشعب . وتُجري مصالحة وطنية , وتقوم باصلاح شامل ليعود العراقيون الى وحدتهم سابقا دون تفريق بقومية أو مذهبية أو فئوية. وحذرة مما حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.)
حكومة قادرة على تغييرهذه المساوئ التي سردناها انفا غير مرتبطة بأقاليم همها التسلط على العراق و خيراته ومعتقداته.
اللهم غيّر وضع العراق الى ما هو خير لأهله ويسر لهم من يقوم باصلاحه انك سميع مجيب.
أ.د عبد الملك عبد الرحمن السعدي
2/ جمادى الاخرة / 1439هـ
18/ 2/ 2018 م