بقلم: عباس الاسدي
جميعنا نعلم أن استفحال ظاهرة القرصنة الإيرانية في مضيق هرمز الذي يمر خمس نفط العالم عبره هي نتيجة للخلاف الأمريكي الإيراني، حيث بدأت الأخيرة بتصعيد عسكري في المضيق ضد أمريكا وحلفائها مستهدفة مجموعة ناقلات تابعة لعدة دول أولها كانت عملية تخريبية لأربع ناقلات نفطية، من بينها ناقلتان سعوديتان، وناقلة تحمل علم النرويج، وأخرى تحمل علم الإمارات قبالة ميناء الفجيرة داخل المياه الإماراتية، تلاها استهداف ناقلتين، إحدهما تابعة لجزر مارشال، والأخرى لبنما في خليج عمان، ثم اختطاف ناقلة إماراتية أثناء عبورها مضيق هرمز، ومحاولة اختطاف ناقلة نفط بريطانية عن طريق إعاقتها بواسطة زوارق حربية إيرانية، لكن سرعان ما تدخلت فرقاطة تابعة للبحرية الملكية موجهة تحذيرات للزوارق بالابتعاد، وبعد أسبوع من هذه المحاولة، قامت باختطاف الناقلة البريطانية (ستينا إمبيرو) مع طاقمها المكون من 23 شخصًا عقب اعتراض قطع بحرية حربية تابعة للحرس الثوري لها في مضيق هرمز بعد ساعات من إعلان المحكمة العليا في جبل طارق التابع للمملكة المتحدة تمديد احتجاز الناقلة الإيرانية (غريس1) المُشتبه بنقلها حمولة نفطية لسوريا 30 يومًا،
واعتبر البعض أن الاختطاف هو رد على احتجاز الناقلة الإيرانية، وبررت إيران احتجازها للناقلة بأنها لم تلتزم بقوانين الملاحة في مضيق هرمز، بينما قال وزير الخارجية البريطاني: إن الناقلة احتجزت في المياه العمانية. ستستمر إيران بالتصعيد العسكري في المياه الدولية والاستمرار ببرنامجها النووي الذي تجاوزت فيه الحد المتفق عليه للتخصيب كنوع من أنواع الضغط للعودة إلى طاولة المفاوضات راجية التخفيف من وطأة العقوبات التي أنهكتها اقتصاديًا. كل هذه الأحداث، وخصوصًا القرصنة الإيرانية في المياه العربية ستكون سببًا في تواجد عسكري أجنبي في تلك المياه؛ مما يعني أن هذه المياه العربية ستكون تحت سلطة وأمر هذه القوات، وستكون هي الحاكمة المقررة فيها، أي أنه احتلال لمياه وممرات عربية، فقد كشفت القيادة المركزية الأمريكية عن (عملية الحارس) متعددة الجنسيات، وقالت القيادة إنها تقوم بتطوير مجهود بحري متعدد الجنسيات لزيادة المراقبة والأمن في المجاري المائية الرئيسة في الشرق الأوسط لضمان حرية الملاحة في ضوء الأحداث الأخيرة في الخليج العربي، وأضاف البيان أن الهدف من العملية هو تعزيز الاستقرار البحري وخفض التوترات في جميع أنحاء الخليج العربي، ومضيق هرمز، وباب المندب، وخليج عمان، هل ستضيف الأنظمة العربية هذه الهزيمة إلى قائمة هزائمهم السوداء، هل دخلوا في استراتيجية جديدة للخنوع، وهي خسارة الماء بعد الأرض، هل بقي عند تلك الأنظمة ما لم يقدموه قربانًا، إنها جولة جديدة تخسرها الدول العربية.
الأجدر بالعرب هو فتح قنوات تفاوض بين إيران والغرب والمضي قدمًا في تهدئة الوضع، وإن رفضوا أسلوب المفاوضات ووافقوا على مقترح القيادة المركزية يجب أن يكونوا أصحاب القرار فيما سيجري؛ كون المكان مكانهم، وألا تتحول مياههم لمكان استعراض للقدرات البحرية العسكرية للولايات المتحدة وإيران، أما الخيار الأخير فهو مواجهة إيران، وهذا ما لا تستطيعه الدول العربية ليس خوفًا من ترسانتها العسكرية، لكن خوفًا من طابورها الخامس المنتشر بقوة في دولنا، والذي لا نملك مثله، أو بالأحرى لم نحاول أن نصنع مثله رغم قدرتنا وسهولة الحِراك بهذا الاتجاه داخل إيران، لكن التواكل على الغرب وتسليمه اللحى جعلنا أضعف من أن نخطط أو نقرر، كان الأولى توحيد الصف وضرب ذلك الطابور بقوة والتضييق عليه لا التهاون معه. خسائر جسيمة تكبدها العرب في الوقت القريب، لا يفصل بينها أوقات كثيرة: العراق، لبنان، سوريا، اليمن، وهناك دول على المحك مثل: البحرين، والكويت، غياب المشروع وسوء التدبير جعل ماكينة الانهيار والخسارة تتحرك بسرعة وقوة كبيرة مهشمة كلما يقف أمامها. خسر العرب العراق ذلك المصد العظيم الذي أوقف مشروع الشرق، رغم شدة رياحه الصفراء وحجمه لسنين طوال حتى غاب خطره عن الأذهان، كان قد قطع الوصل بين إيران وسوريا وبنفس الوقت تُرس رصين لدول الخليج، أما بعد انهياره باتت حدود إيران بتماس مباشر مع سوريا والأردن والمملكة العربية السعودية، والكويت، كون العراق صار أحد محافظاتها. وسوء التعامل مع الملف اللبناني فهذه طامة كبرى، أموال صُرفت في غير محلها وتيار مدعوم يضمحل دوره يوم بعد يوم، فكرة التعاطي من لبنان من خلال المال فقط وعدم وضع خطة لمتابعة نتائج الدعم والاتكال على شخصيات غير كفؤة خطأ فادح سمح لإيران بتنمية وتهيئة كيان يفوق الكيان الصهيوني خطرًا؛ كونه يدعي التدين والمقاومة والدفاع عن قضية العرب المركزية فلسطين المُحتلة، ذلك الكيان المدعو حزب الله صار كالخنجر السعيدي ينتظر الأمر لينغرس فينا وزاد البلاء لدخولنا في صراع مع حزب الله يضاف لصراعنا السابق مع إيران.
سوريا أمل الأمة المجروح قبان القوى ومعول التغيير المنشود حالها كحال غيرها من المشاريع التي فشلت وخسرتها الأمة، كانت ساحة صراع مفتوحة من الممكن الانتصار فيها، خصوصًا في مراحل الثورة الأولى لو توحد الجهد العربي، لكن الغريب أننا رأينا تنافسًا عربيًا على أرض سوريا، كل دولة تدعم جهة وترغب في انتصارها لتلبي أهدافها لاحقًا، تطور هذا التنافس حتى أُسقط على الأرض فتنازعت الجهات المدعومة فيما بينها، وكونت كل منها إمبراطورية مالية وعسكرية هدفها حماية نفسها والأرض التي تحتها فقط حتى تناسوا ثورة وطنهم، فقُتلت روح الثورة الحقيقية وفُقد جوهرها وضاعت بوصلتها، فأخذت تترنح بين هذه الجهة وتلك، فيما وحدت إيران جهودها مع حزب الله والميليشيات العراقية وتحركت عسكريًا بتعبئة عقائدية لجنودها بداعي حماية المقدسات وتظافرت تلك الجهود حتى بدت تؤتي أُكلها، إما ويلات الحرب بين كل الأطراف، لم تسقط إلا على أبرياء الشعب السوري، كل هذا والدول العربية مستمرة بتمزيق سوريا وثورتها من خلال جهدها المُشتت (القابل) للمساومة على حساب الشعب السوري. ومأسآة اليمن بدأت بإهمال وعدم تنظيم، وأيضًا تواكل على شخصية واحد كما حصل في لبنان، الخطر الحوثي في اليمن خبيث لو تُرك سيؤثر على أكثر من دولة. البحرين لا زالت قلقة بسبب الهجمات الإرهابية المدعومة إيرانيًا لجعلها في مأزق يساعد على إضعاف المنطقة. أما جوهرة الخليج، الكويت، فهي تعاني من الخطر أيضًا،
وموضوع خلية العبدلي ليس ببعيد، هناك من ولاؤه خارج حدودها، ويقدم شر الشرق الأصفر على خير بلده الكريم، رغم الخلاف المجتمعي والمذهبي الذي تدعمه إيران أيضًا، لكن هناك محورًا يدور الجميع حوله، وهو حبهم للكويت، هذه الميزة لا زالت مؤثرة وبقوة وتخفف من وطأة الولاء الخارجي، لذا فهي أقل من يعاني الخطر حاليًا، لكن هذا لا يعني سلامتها؛ كونها محاذية للعراق الذي تستخدمه إيران كمنصة لإطلاق الشرور، وقربها من إيران نفسها والمشروع الفارسي، أكيد سيسعى لتقويض هذا الأمن تارة بالإرهاب وأخرى بالفتن والشعوبية. إيران استخدمت الشحن الطائفي كأساس لمشروعها (فهي تصادر روح الانتماء العربي من أفراد المجتمع وتغرس الانتماء المذهبي الموالي لها في عقولهم، لذلك تجد ريح المذهبية موجودة في كل أماكن تواجدها نفس السيناريو تستخدمه في كل البلدان وبأريحية لعدم وجود مشروع يوقفها. لو أسقطنا ما ذكرناه على الأرض سنرى أن دول الشرق أُطبق عليها المشروع الأيراني بالكامل، فسوريا، ولبنان شمالًا، والعراق شرقًا، واليمن جنوبًا، بالاضافة لوجود دول تعاني من ارتدادات المشروع كالبحرين والكويت (ومن المؤكد بعد ذلك ستتوجه لدول أفريقيا والمغرب، وعلى رأسهم مصر كونها تمثل الثقل الأكبر، والرقم الأصعب في المنطقة)، ثم انتهى الأمر بتواجد قوات عسكرية أجنبية في المياه العربية ستجعلها خارج السيطرة كما ذكرنا آنفًا، إذًا ايران في كل يوم تربح جولة جديدة، فبعد سلب الأرض من الدول العربية جاء دور المياه، والمضحك في الأمر أن تلك الدول تهرول لأمريكا والغرب متوعدة بمنحها ما حاولت إيران سلبه وتفرح بأنها تخلصت من الاحتلال الإيراني باحتلال أمريكي، بعد كل هذه الخسائر لم يبق من دولنا غير الأسماء ومساحات مرسومة على الخرائط.