بقلم: الدكتور اسماعيل الجنابي
بات من الواضح ان العالم باسره يعيش الحرب الشاملة المتمثلة بالمجال الالكتروني ، ابتداءً من البر ومروراً بالبحر والجو وانتهاءً بالفضاء ، حيث اصبح من المتوقع أن تكون الحرب الإلكتروني السمة الغالبة ، إن لم تكن الرئيسة للحروب المستقبلية في القرن الواحد والعشرين وتكمن خطورة هذه حروب التي يتحكم بها الإنترنيت والشبكات في كون العالم أصبح يعتمد أكثر فأكثر على الفضاء الإلكتروني وبنيتها التحتية ذات المعلومات السرية سواء العسكرية والاستخباراتية وحتى المعلومات المصرفية بشقيها الحكومي والخاص والتي تعتمد في اعمالها على شبكات الانترنيت ما يعني إمكانية تطوّر الهجمات الإلكترونية اليوم لتصبح سلاحا حاسما في النزاعات بين الدول في المستقبل ، رغم ان هذه الحرب لا تزال غير مفهومة لدى معظم الناس .
ولعل تجليات هذه الحرب الالكترونية بانت معالمها في الاحداث التي حصلت في بعض دول العالم الذي شهد اغتيال صانع استقلال الشيشان “جوهر دوداييف” الذي تم اصطيادة وتحديد مكانه من خلال هاتفه الشخصي والاحداث المشابهة التي وقعت على شاكلاتها سواء بتفجيرات مفاعل نطنز الايراني وحادث اغتيال يحيى عياش المعروف بأنه مهندس التفجيرات في حركة حماس وشبهات وقوع طائرة الرئيس الايراني “ابراهيم رئيسي” وحادث اغتيال اسماعيل هنية واخرها الاحداث الدامية التي عصفت بحزب الله اللبناني والتي عرفت بمجزرة “البيجر” التي كان وقعها كبير جداً على العالم باسره وهذا ما يؤكد ان الطائرات والصواريخ لم تعد السلاح الاكثر فتكاً في اصابة الاهداف وانما هناك اشياء لا تقل خطورة منها وفي مقدمتها الهاتف ومشتقاته التي باتت تعرف “الرفيق المهلك”.
واذا ما اخذنا بالاعتبار القرصنة الإلكترونية أو التخريب الإلكتروني، التي تقع من خلال الفضاء الإلكتروني، ومن أمثلته القيام بعمليات قرصنة المواقع الإلكترونية أو بتعطيل الحواسيب الخادمة أو ما يعرف باسم الملقّمات (Servers) من خلال إغراقها بالبيانات وكذلك الجريمة الإلكترونية والتجسس الإلكتروني التي تستهدف الشركات والمؤسسات وحتى المؤسسات الحكومية ، وكذلك الإرهاب الإلكتروني الذي يستهدف أجهزة الكمبيوتر والشبكات والمعلومات المخزّنة التي تلحق الضرر المادي للأشخاص أو الممتلكات والى خراب يترك قدرا كبيرا من الخوف ومن المتوقع أن تصبح الحرب الإلكترونية نموذجا تسعى إليه العديد من الجهات نظرا للخصائص العديدة التي تنطوي عليها.
ومن هنا نستنتج ، ان مكاسب إسرائيل من حادثة البيجر تتعدى مسألة الإصابات أو زعزعة الحزب، فإسرائيل بالتأكيد لديها الآن بنك هائل من المعلومات عن المصابين وطبيعة عملهم، ومستوياتهم داخل الحزب إن كانوا من كوادر الوسط أو القيادة وبالتالي هذا يعطيها نقاط قوة إذا ما بدأت بشن هجوم كبير في قابل الأيام ، خصوصاً وان التكلفة المادية لهذه الحرب متدنية جداً ، مقارنة بالأدوات الاخرى المكلفة جداً التي تستخدم بشن الحروب ، مع الاخذ بنظر الاعتبار المخاطر والخسائر الناجمة او المترتبة من ذلك ، ما يعني أنّه ليس هناك حاجة لدولة ما مثلا أن تقوم بتصنيع أسلحة مكلفة جدا كحاملات الطائرات والمقاتلات المتطورة لتفرض تهديدا خطيرا وحقيقيا على الدول المراد مهاجمتها .
لابد من فهم خطورة قادم الايام ، وهذا ما يجعلنا نستبق الامور بأن عملًا كبراً سوف يحصل في وقت قريب، فعملية تفجير أجهزة البيجر ليست هدفًا بحد ذاتها بقدر ما هي تمهيد لعمل أكبر فالمخاطر تتعدى استهداف المواقع العسكرية او الاشخاص بل يتعدى ذلك الى استهداف البنى التحتية المدنية والحسّاسة في البلدان المستهدفة، وهو أمر أصبح واقعيا في ظل القدرة على استهداف شبكات الكهرباء والطاقة وشبكات النقل والنظام المالي والمنشآت الحساسة النفطية أو المائية أو الصناعية بواسطة فيروس يمكنه إحداث أضرار مادّية حقيقية تؤدي إلى انفجارات أو دمار هائل.
وتشير العديد من التقارير إلى تزايد أعداد الهجمات الإلكترونية التي تتم في العالم اليوم والتي تقوم بها مجموعات أو حكومات تتدرج في الاستهداف من أبسط المستويات إلى أكثرها تعقيدا وخطورة ، فالحرب السيبرانية التي تحصل هي جزء من الحرب الإلكترونية، وهي عنصر أساس في نجاح هذه الجيوش ، سيما وان إسرائيل تعتمد اليوم على الذكاء الاصطناعي الذي يحدد أماكن الجهات المستهدفة، ولذلك لاحظنا في أكثر من مرة استهداف مبانٍ كاملة في غزة، إذ إن الذكاء الاصطناعي يعد أكثر ضررًا من البشر في العمليات العسكرية وكذلك قيامها بعمليات تشويش وتغيير وتلاعب في خرائط google map بدليل الاستهداف الاخير الذي حصل عندما اطلقت جماعة الحوثي مجموعة من الصواريخ الموجهة الى عمق الكيان الصهيوني والذي فشلت القبة الحديدة من اسقاط معظمها ، الا ان قيامها باستخدام تكنولوجيا الحرب الالكترونية ، هي التي حيدت مسار كثير من الصواريخ، مثلما أنها تتمكن من التشويش على مسار الطائرات.
ولعل السؤال المطروح: هل ان اطراف النزاع مع اسرائيل تمتلك قدرات الحرب الالكترونية مثلما يملكها الكيان؟
ان الاجابة على هذا السؤال يعتمد على ردت فعل هذه الاطراف ، خصوصاً ان قوة اسرائيل تعتمد على حلفائها البارزين ، سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو بعض الدول الأوروبية التي تقدم الدعم الذي يمكنها من التتفوق على خصومها ، دون أن ننكر مقدرتها الذاتية بإنفاقها العسكري الضخم على الحرب الإلكترونية.