حَذَّرَ المعلق سايمون تسيدال من جرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى حربه من أجل البقاء، بعد هجمات “حماس” في 7 تشرين الاول/أكتوبر.
وفي مقال نشرته صحيفة “أوبزيرفر”، قال الكاتب إن بايدن أصبح “يملك” هذه الحرب، ولا توجد لدى نتنياهو إستراتيجية خروج بعد حصوله على الحرب التي يريدها، وربما وجدت الولايات المتحدة نفسها متورطة وبشكل أعمق بحرب غزة. وتساءل: “هل هذا كل شيء، وهل هذا كل ما يمكن أن يفعله القادة الغربيون مع اقتراب ساعة الصفر؟ وأغدق بايدن بلطف التعاطف والدولارات في رحلته، التي استمرت سبع ساعات إلى إسرائيل. وتم الإفراج عن رهينتين من 200 رهينة، لكن لا دعوة لوقف إطلاق النار، ولا وقف للغارات لدواعٍ إنسانية، ولا محاور آمنة، ولا وقفاً للقصف، ولا خطة طويلة الأمد. فيما تتزايد المخاوف من توسع الحرب”. و”بدلاً من ذلك هناك تردد، وإذعان غربي مخزٍ للهجوم البري الإسرائيلي على غزة، بهدف مفهوم، ولكن لا يمكن تحقيقه، أي سحق “حماس” وللأبد، مع مقتل أكثر من 4.000، فإن “فريق” نتنياهو، دعنا نستخدم كلمة بايدن المنفرة، يجب أن يكونوا حصلوا على البطاقة الحمراء (ذلك أن بايدن وصف المواجهة في غزة بلعبة كرة قدم)، ولكنهم حصلوا على البطاقة الخضراء”.
وأضاف أن التشتت الغربي والتشوش والارتباك في وجه الكارثة التي تتكشف أمامنا مثير للفزع. ومع أن زواراً أجانب مثل أولاف شولتز، المستشار الألماني، ثم بايدن، وبعد ريشي سوناك، رئيس وزراء بريطانيا، حاولوا مخاطبة الرأي العام في بلادهم بتحذير رقيق، لكنهم كانوا يرددون كلام نتنياهو ويلعبون لعبته. ولم يعد الاتحاد الأوروبي بخلافات مسؤوليه مهماً.
الصحيفة: لا أحد يعرف، حتى بايدن، ما هي خطة نتنياهو بعد “حماس”، وهذا بالتأكيد لعدم وجود خطة
وفي الأمم المتحدة، دعمت فرنسا، مع حراس مجلس الأمن المهلهل للقانون الدولي، مسودة قرار لوقف الأعمال العدوانية لعكس قرار الجلاء الإسرائيلي في غزة لكي تصوّت ضد الولايات المتحدة، لأن القرار سيقيد يدي إسرائيل. ولكن بريطانيا امتنعت عن التصويت، وبشكل مخزٍ إلى جانب روسيا، وهو اتفاق مؤسف. ويقول إن الخوف الأكبر لو فتح “حزب الله” جبهة جديدة مع إسرائيل، فيما ينتشر عدم الاستقرار إلى سوريا والعراق.
وأثارت تعهدات الولايات المتحدة بدعم إسرائيل بالقنابل والذخيرة غضب العالم الإسلامي. وفي الوقت نفسه لا أحد يعرف، حتى بايدن، ما هي خطة نتنياهو بعد “حماس”، وهذا بالتأكيد لعدم وجود خطة.
ويقول إن عملية “حماس” قتلت 1.400 إسرائيلي، ما يعطي إسرائيل الواجب الأخلاقي والقانوني للرد عليها، إلا أن القادة العرب الخائفين من شعوبهم محقون في رفضهم العقاب الجماعي لغزة.
وتطالب الأمم المتحدة وقف إطلاق النار، وبدونه ستستمر المآسي، كما في المستشفى المعمداني.
ورغم ما يقوله المسؤولون البريطانيون لا يوجد شيء اسمه غزو “هادئ ومدروس”. فعملية السيوف الحديدية الإسرائيلية، لديها أربعة أهداف: تدمير حماس عسكرياً، و إزالة التهديد “الإرهابي” من غزة، وحل أزمة الرهائن، وحماية حدود الدولة ومواطنيها. ولكن المسؤولين لا يزالون يناقشون حول ما سيأتي بعد. ويقولون إن إعادة الاحتلال ليست بداية، ولكن إستراتيجية الخروج تبدو غائبة عن نقاشاتهم.
وحذرت مجموعة الأزمات الدولية من أن غزواً يعني مواجهة “حماس” في أراضيها، وستكون شاملة ودموية. و كذا “تخليص غزة وبشكل دائم من كل ما تصفه إسرائيل بالتمظهرات الإرهابية، ويطلق عليه الفلسطينيون المقاومة، مستحيل في غياب التغيير السياسي”.
الصحيفة: سيظل القطاع موجوداً، وإن في حالة دمار، وسيظل الناجون فيه، حيث سيندبون الأعزاء الذين فقدوهم، والبيوت التي دمرت، وسيزيد الفقر والحرمان الذي أدى لصعود “حماس”
ومن سيحكم غزة، على افتراض تمت الإطاحة بـ “حماس”؟ إدارة معينة من الأمم المتحدة تدعمها قوات حفظ السلام؟ مفوض أممي على شكل البوسنة؟ وهناك من اقترح أن الحكم سيُعاد للسلطة الوطنية التي أخرجتها “حماس” من غزة عام 2007، لكن السلطة ضعيفة وغير محبوبة. وقبل أن يحدث هذا فعلى الرئيس محمود عباس فتح المجال أمام قيادة منتخبة. ولا يعرف ما لدى نفوذ القادة الغربيين من تأثير على ترتيبات ما بعد الحرب. فدعم بايدن وسوناك غير المشروط لإسرائيل يجعلهما خارج اللعبة، ولا يمكن أن يكونا وسيطي سلام. وتطالب الجامعة العربية بإحياء المفاوضات حول دولة فلسطينية، لكن إسرائيل لا تستمع.
وارتكب بايدن ثلاثة أخطاء أساسية منذ عام 2021؛ التركيز على الشؤون المحلية، والصين، وحاول تجاهل المنطقة، وهذا غير ممكن. أما الخطأ الثاني، فهو ركوب موجة التطبيع، التي بدأها دونالد ترامب، فيما عرفت باتفاقيات أبراهام، التي تجاهلت الفلسطينيين. أما الخطأ الثالث والقاتل، فهو فشل بايدن بالرد، عندما تحالفَ نتنياهو المعجب بترامب مع اليمين المتطرف. وتجاهله بايدن لكنه لم يفعل أي شيء. وقد ذاب الجليد، ليس لأن حكومة إسرائيل تغيرت فجأة، فنتنياهو يقاتل بيأس من أجل النجاة. وقد حضنه نتنياهو مثل الدب، ولا يمكن المبالغة أنه قد يجر بايدن، فقد جمعت بينهما الصدمة، وبدلاً من الدعوة إلى خفض التوتر، يدعو نتنياهو لحرب طويلة، وهذا ما يريده كما يبدو. وكما يقول ديفيد روثكوبوف: “هذا ليست في مصلحة أحد، باستثناء نتنياهو، الذي ستنتهي حكومته بنهاية المعركة المقبلة مع حماس”، فحرب طويلة ومزيد من الضحايا وعدم استقرار إقليمي قد تجر أمريكا بشكل أعمق إليها. فبايدن الذي ينزّ عطفاً فيما يتجاهل نقاط ضعفه، أصبح يملك هذه الحرب. ولو تدهور الوضع أكثر فلن يهرب من تداعياته. فهو يواجه حرباً طويلة مع روسيا في أوكرانيا، ويواجه بشكل محتمل حرباً باردة أو ساخنة مع الصين.
الصحيفة: النجاحات الدبلوماسية الصغيرة لم توقف القصف الإسرائيلي على غزة. ومصير “الرهائن” مرتبط بالغزو البري
وحذرت “أوبزيرفر”، في افتتاحيتها، من أن الشرق الأوسط يسير نحو الهاوية، في إشارة لتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش. فهو يعمل مع الدبلوماسيين والسياسيين في العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة لاحتواء النار التي اشتعلت في 7 تشرين الأول/أكتوبر، إلا أن نجاح هذه الجهود معلق بالحبل.
وقالت إن النجاحات الدبلوماسية الصغيرة لم توقف القصف الإسرائيلي على غزة. ومن الواضح أن مصير الرهائن مرتبط بطريقة لا تنفصم بمصير الغزو البري.
وتجري حرب صامتة بين الحكومات الأوروبية وإدارة بايدن من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، بشأن توقيت الهجوم ومجاله. فنتنياهو وحكومة حربه تعهدوا بالقتال حتى النصر. ووَعَدَ وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت جنوده بأنهم سيرون غزة قريباً.
وقالت إن الوضع اليائس للفلسطينيين، الذين قُطعت عنهم كل المواد الأساسية، سيصبح أسوأ مع الهجوم البري.
ونقلت الصحيفة، في تقرير لعدد من مراسليها، عن مسؤول أمني إسرائيلي بارز قوله: “هناك ضغط كبير علينا من السكان الإسرائيليين”، و”نحاول هنا ألا نكون عاطفيين في كل قرار”، مضيفاً: “النتيجة الوحيدة التي توصلنا إليها هي أن علينا الدخول. يجب أن نذهب لتنظيفها، وقلع شأفة “حماس” من الجذور، ليس عسكرياً، ولكن اقتصادياً، وإدارتها، ويجب أن يرحل كل واحد”.
وتعلق الصحيفة بأن تدمير “حماس” هو هدف سياسي وليس عسكرياً، حتى لو زعمت إسرائيل النجاح في اغتيال رموز “حماس”، ودمرت ترسانتها وشبكات الأنفاق، إلا أن الإسرائيليين لم يتحدثوا عمّا سيفعلونه فيما بعد. وسيظل القطاع موجوداً، وإن كان في حالة دمار، وسيظل الناجون فيه، حيث سيندبون الأعزاء الذين فقدوهم، والبيوت التي دمرت، وسيزيد الفقر والحرمان الذي أدى لصعود “حماس”.
وأشارت الصحيفة إلى تحذيرات بايدن للقادة الإسرائيليين من ارتكاب أخطاء كما فعلت أمريكا. وهو، وإن لم يقل ما هي، إلا أن “الحرب على الإرهاب” أدت لتدمير العراق وأفغانستان. وعندما استطاعت أمريكا الوصول لزعيم “القاعدة” أسامة بن لادن، كان العراق قد خاض حرباً دموية، وأدى الغزو لظهور تنظيم “الدولة الإسلامية”. أما “طالبان” فقد خاضت حرباً على مدى 20 عاماً لتعود إلى كابول من جديد. ويبدو أن إسرائيل تسير في نفس الطريق، ذلك أن قادتها لم يحددوا طبيعة النصر، ولا خطط لديهم حول إدارة القطاع عندما تنتهي الحملة العسكرية.