حذر رئيسا الاستخبارات الأميركية والبريطانية من أن النظام العالمي يواجه تهديدات غير مسبوقة لم يشهدها العالم منذ الحرب الباردة.
وفي مقال افتتاحي مشترك في “فايننشال تايمز”، تحدث بيل بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، وريتشارد مور، رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية (SIS)، عن أهمية الشراكة الاستخباراتية بين بلديهما، مؤكدين أنها تشكل القلب النابض للعلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وقال بيرنز ومور إن النظام العالمي “يتعرض للتهديد بطريقة لم نشهدها منذ الحرب الباردة”. وقال رئيسا المخابرات “ليس لدينا حلفاء أكثر ثقة أو احترامًا” من بعضنا البعض، وأضافا أن الشراكة ستكون حيوية في الوقت الذي “نواجه فيه مجموعة غير مسبوقة من التهديدات”، خاصة من روسيا والصين والشرق الأوسط.
تعاون تاريخي… ومستمر!
وفي مقال مشترك بعنوان “شراكة استخبارية تبقي أميركا وبريطانيا في الصدارة في عالم مضطرب”، يؤكد بيرنز ومور على أهمية الحفاظ على التفوق التكنولوجي لضمان ريادة العلاقة الخاصة بين البلدين.
ويشير بيرنز ومور إلى أن الشراكة الاستخباراتية بين واشنطن ولندن تمتد لأكثر من 75 عامًا، منذ تأسيس وكالة الاستخبارات المركزية في عام 1947. ومع ذلك، فإن هذه العلاقة تعود إلى ما قبل ذلك، حيث كانت جذورها في أوائل القرن العشرين حينما واجه البلدان التحديات العالمية معًا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
تطورت هذه الشراكة خلال الحرب الباردة واستمرت في التصدي للإرهاب الدولي. اليوم، يعترف بيرنز ومور بأن التحديات التي تواجه البلدين تتزايد بفعل التغيرات التكنولوجية والبيئية العالمية.
أوكرانيا.. نموذج للتعاون الفعّال
أبرز مثال على التعاون الحالي هو الحرب في أوكرانيا. يشير المقال إلى أن واشنطن ولندن قد توقعا الحرب قبل اندلاعها بفترة طويلة، وتمكنتا من تحذير المجتمع الدولي، مما أتاح الفرصة لدعم أوكرانيا والدفاع عن سيادتها ضد العدوان الروسي. من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، استطاع البلدان استخدام التكنولوجيا بشكل فعال لدعم أوكرانيا، بما في ذلك الاعتماد على البرمجيات مفتوحة المصدر، وصور الأقمار الصناعية، والطائرات المسيرة، والحرب السيبرانية.
تكنولوجيا المعارك: تغيير قواعد اللعبة
في أوكرانيا، ولأول مرة، تم دمج التكنولوجيا المتقدمة مع الشجاعة والتكتيكات التقليدية لتغيير مسار الحرب. من استخدام الطائرات بدون طيار إلى توظيف المعلومات الاستخباراتية المجمعة عبر الوسائل الحديثة، أثبتت هذه الأدوات قدرتها على تعزيز القوة العسكرية. يشير بيرنز ومور إلى أن هذا الصراع أثبت أهمية الابتكار في ساحة المعركة، حيث أصبحت التكنولوجيا عنصراً حاسماً في تحقيق التفوق.
وبينما تظل روسيا تمثل تهديدًا قائمًا، إلا أن التحدي الجيوسياسي الرئيسي في القرن الحادي والعشرين هو صعود الصين. يشير بيرنز ومور إلى أن الصين تشكل “التحدي الجيوسياسي والاستخباراتي الأكبر” بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية. البلدان أعادا هيكلة خدماتهما الاستخباراتية للتعامل مع هذا التهديد المتزايد، ويؤكدان أن التعاون الوثيق في هذا المجال أصبح ضرورة قصوى.
الشرق الأوسط.. ومكافحة الإرهاب
إلى جانب مواجهة التحديات الروسية والصينية، يبقى الإرهاب تهديدًا قائمًا. يشير المقال إلى أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية ما زالت تعمل بشكل وثيق في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الإرهابية الأخرى. وفي الشرق الأوسط، استغلت أجهزة الاستخبارات القنوات الدبلوماسية والاستخباراتية لدفع الأطراف إلى ضبط النفس وخفض التصعيد، وخاصة في غزة، حيث تسعى الوكالات إلى التوصل إلى وقف إطلاق النار وإعادة الرهائن.
في عصر التكنولوجيا المتقدمة، يعتمد التفوق الاستخباراتي بشكل كبير على الحفاظ على التفوق التكنولوجي. يشير المقال إلى أن الشراكة بين الاستخبارات الأمريكية والبريطانية لا تقتصر فقط على التعاون التقليدي، بل تمتد لتشمل التعاون مع القطاع الخاص لاستخدام الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا السحابة. هذه الأدوات تساعد الوكالات في تحليل البيانات الضخمة، وتطوير استراتيجيات استخباراتية أكثر دقة وفعالية.
الاستخبارات.. جنود الظل
يختتم بيرنز ومور مقالهما بتسليط الضوء على الأشخاص الذين يقفون خلف هذه الشراكة، وهم موظفو الاستخبارات الذين يعملون بلا كلل لحماية بلدانهم، سواء في العمليات السرية أو في تحليل المعلومات، هم الأبطال الحقيقيون لهذه الشراكة.
ويؤكد بيرنز ومور أن “هؤلاء الرجال والنساء الشجعان” يلعبون دورًا حاسمًا في الحفاظ على أمن بلديهم وفي التصدي للتهديدات العالمية.